للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسؤال عنه، فإنهن كن يطَّلعن من أحواله - صلى الله عليه وسلم - وأقواله على ما لا يطلع عليه غيرهن، فقد تعلمن عنه - صلى الله عليه وسلم - ما رأينه في منامه، وحال خلوته من الآيات البينات على نبوته، ومن جده واجتهاده، ولم يشاهدها غيرهن، فحصل من ذلك من الفوائد الأخروية ما لا يحصى، وأما حبه للطيب، فلأجل نزول الملك عليه، وملازمته له بالوحي؛ ولهذا كان يمتنع من تناول ما له رائحة كريهة، وقال: إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فظهر بذلك أن حبه للنساء، والطيب كان لمصلحة أخروية. (١)

ومن فتاوى الأزهر تعليقًا على الحديث: وحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - للنساء ليس حبًا شهوانيًا بمعنى الاهتمام الزائد بالمتعة الجنسية على شاكلة المترفين اللاهين، فنحن نعلم رقة حاله وشغله الدائم ليلًا ونهارًا بالدعوة ومشكلاتها، واهتمامه بقيام الليل حتى تتورم قدماه، فهو حب طبيعي كحب أي رجل لامرأة، لأنه مكتمل الرجولة لا عيب فيه، ولكنه حب بقدر، لا يطغى على الناحية الروحية عنده، ولذلك جاء في الحديث "وجعلت قرة عيني في الصلاة" فالصلاة أعظم محبوب عنده، ومن كان كذلك فهمه في النساء لم يكن بالدرجة التي تصرفه عن قرة عينه وهي الصلاة والعبادة.

وقد يكون الحديث ردًّا على بعض من يرون أن مقياس التدين هو الرهبانية والتبتل والامتناع عما أحل الله من الطيبات، فهو - صلى الله عليه وسلم - أخشى الناس لله وأتقاهم له، ولكنه يصوم ويفطر، ويقوم ويرقد، ويتزوج النساء، كما صح في الحديث المتفق عليه الذي قال في نهايته: "ومن رغب عن سنتي فليس مني"، وذلك إلى جانب عطفه ورحمته بالنساء عامة، وقد أوصى بهن كثيرًا، والنصوص في ذلك كثيرة. (٢)

فيظهر بما سبق من كلام العلماء المعني الصحيح للحديث، ولم يقل أحد من العلماء أن تحبيب النساء في الحديث لغير ما يحل.

الوجه الثاني: القول بأنه ابتلاء من الله.


(١) سبيل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد ١٠/ ٤١٧.
(٢) فتاوى الأزهر ٨/ ٢٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>