للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: بأن نقل القرآن من اللوح المحفوظ لا يختص ببعض القرآن، وهذا النسخ مختص ببعضه.

والمعنى أننا قد بينا أن معنى النسخ في اللغة يدور بين الإزالة والنقل، وأن الأصل فيه الإزالة، وأسلوب الآية يقتضي ذلك؛ فإنه صريح في إفادة الإتيان بالبدل حين ينسخ، ولما كان البدل لا يجتمع مع المبدل منه؛ فإن تقرير الإتيان به - أي البدل - يستلزم أن يكون المبدل منه قد أزيل، وهذا هو معنى نسخه. وكون النسخ قد ورد في القرآن بمعنى النقل لا يسوغ تفسيره بالنقل في كل موضع ورد فيه (١).

الوجه الثالث: الرد على قوله أن الآية لا تدل على وقوع النسخ، بل لو وقع لوقع إلى خير منه.

قال د. مصطفى أبو زيد: فهو يلتقي معنا كما هو واضح في تفسير النسخ، والآية. غير أنه يتشبث بشرطية الجملة؛ لأنه يجد فيها المخرج. وقد اقتضاه هذا أن يسلم بجواز النسخ شرعًا، لكنه - فيما يبدو - لم يبال بهذا، ما دامت شرطية الجملة هنا قد مكنته من القول بأنها لا تفيد الوقوع! وأما نحن فحسبنا أن تدل الآية لجواز النسخ؛ لأن وقوعه قد تكلفت بالدلالة عليه آية سورة النحل. (٢) وهي قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، وكذلك قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩].

ولذا قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (١٠٧)} يرشد تعالى بهذا إلى أنه المتصرف في خلقه بما يشاء، فله الخلق والأمر وهو المتصرف، فكما خلقهم كما يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي من يشاء، ويصح من يشاء، ويمرض من يشاء، ويوفق من


(١) الرازي في تفسيره (٣/ ٢٣٠)، النسخ في القرآن الكريم د/ مصطفى زيد (١/ ٢٧٣).
(٢) النسخ في القرآن الكريم (١/ ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>