للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام. كيف وهم يكفرون به حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق؟ (١).

قال السيوطي: لولا أن العرب كانوا يعرفون أن لها مدلولًا متداولًا عنهم؛ لكانوا أول من أنكر ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ بل تلا عليهم {حمَ} و {ص} وغيرها فلم ينكروا ذلك؛ بل صرحوا بالتسليم له في البلاغة والفصاحة مع تشوقهم إلى عثرة، وحرصهم على زلة، فدل على أنه كان أمرًا معروفًا بينهم لا إنكار فيه (٢).

[الوجه السابع: على التسليم بأنها غير ظاهرة المعنى لا ينافي وصف القرآن بأنه بيان للناس.]

قال الزرقاني: إن اشتمال القرآن على كلمات غير ظاهرة المعنى لا ينافي وصف القرآن بأنه بيانٌ للناس وهدى ورحمة؛ فإن هذه الأوصاف يكفي في تحققها ثبوتها للقرآن باعتبار جملته ومجموعه لا باعتبار تفصيله وعمومه الشامل لكل لفظ فيه، ولا ريب أن الكثرة الغامرة في القرآن كلها بيان للتعاليم الإلهية، وهداية للخلق إلى الحق، ورحمة للعالم من وراء تقرير أصول السعادة في الدنيا والآخرة.

وهذا الجواب مبني على أحد رأيين للعلماء في فواتح تلك السور، وهو أن المعنى المقصود غير معلوم لنا؛ بل هو من الأسرار التي استأثر الله بعلمها، ولم يُطْلِعْ عليها أحدًا من خلقه؛ وذلك لحكمة من حكمه تعالى السامية، وهي ابتلاؤه سبحانه وتمحيصه لعباده حتى يميز الخبيث من الطيب، وصادق الإيمان من المنافق، بعد أن أقام لهم أعلام بيانه ودلائل هدايته وشواهد رحمته في غير تلك الفواتح من كتابه بين آيات وسور كثيرة لا تعتبر تلك الفواتح في جانبها إلا قطرة من بحر أو غيضًا من فيض، فأما الذين آمنوا فيعلمون أن هذه الفواتح حق من عند ربهم ولو لم يفهموا معناها، ولم يدركوا مغزاها ووسع علمه كل شيء عرفه الخلق، أو لم يعرفوه من أسرار تنزيله {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: من الآية ٢٥٥].


(١) مناهل العرفان (١/ ١٨٦).
(٢) الإتقان (٣/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>