يشاهده في حال ذبحه، قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك. وقيل: بل أضجعه كما تضجع الذبائح وبقي طرف جبينه لاصقًا بالأرض. "وأسلما" أي سمى إبراهيم وكبر وتشهد الولد للموت. قال السدي وغيره: أمرَّ السكين على حلقه فلم تقطع شيئًا. ويقال: جعل بينها وبين حلقه صفيحة من نحاس، والله أعلم.
فعند ذلك نودي من الله - عز وجل -: {أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك، وبذلت ولدك للقربان كما سمحت ببدنك للنيران وكما مالك مبذول للضيفان! ولهذا قال تعالى:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} أي الاختبار الظاهر البين.
وقوله:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} أي: جعلناه فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه.
والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن رآه مربوطا بسمرة في ثبير، فأخذه إبراهيم وذبحه عوضًا عن ولده إسماعيل.
هذا هو الظاهر من القرآن؛ بل كأنه نص على أن الذبيح هو إسماعيل؛ لأنه ذكر قصة الذبيح ثم قال بعده:{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ}(١).
[الوجه الثالث: المقصود من سؤال إبراهيم - عليه السلام - لربه - عز وجل -.]
أولًا: قال الجمهور: إن إبراهيم - عليه السلام - لم يكن شاكًا في إحياء الله الموتى قط، وإنما طلب المعاينة.
وأما الشك فهو توقف بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر، وذلك هو المنفي عن الخليل عليه السلام. وإحياء الموتى إنما يثبت بالسمع، وقد كان إبراهيم - عليه السلام - أعلم به، يدلك على ذلك قوله:{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}[البقرة: ٢٥٨] فالشك يبعد على من ثبتت قدمه في الإيمان فقط، فكيف بمرتبة النبوءة والخلة؟