ثانيًا: والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعًا، وإذا تأملت سؤاله - عليه السلام - وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكًا، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو عن حال شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول. نحو قولك: كيف علم زيد؟ وكيف نسج الثوب؟ ونحو هذا، ومتى قلت: كيف ثوبك؟ وكيف زيد؟ فإنما السؤال عن حال من أحواله، وقد تكون {كَيْفَ} خبرًا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه، {كَيْفَ} نحو قولك: كيف شئت فكن، ونحو قول البخاري: كيف كان بدء الوحي، و {كَيْفَ} في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء، والإحياء متقرر، ولكن لما وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء قد يعبر عن إنكاره بالاستفهام عن حالة لذلك الشيء يعلم أنها لا تصح، فيلزم من ذلك أن الشيء في نفسه لا يصح، مثال ذلك أن يقول مدع: أنا أرفع هذا الجبل، فيقول له المكذب: أرني كيف ترفعه؟ فهذه طريقة مجاز في العبارة، ومعناها تسليم جدلي، كأنه يقول: افرض أنك ترفعه أرني كيف؟ فلما كان في عبارة الخليل - عليه السلام - هذا الاشتراك المجازي، خلص الله له ذلك وحمله على أن يبين الحقيقة فقال له:{أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى}، فكمل الأمر وتخلص من كل شك، ثم علل - عليه السلام - سؤاله بالطمأنينة (١).
ولا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم مثل هذا الشك، فإنه كفر، والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث. وقد أخبر الله سبحانه أن أنبياءه، وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل: فقال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الإسراء: ٦٥]. وقال اللعين: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)} [الحجر: ٤٠]، وإذا لم يكن له عليهم سلطنة، فكيف يشككهم؟ ، وإنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها، واتصال الأعصاب، والجلود بعد تمزيقها، فأراد أن يرقى من علم اليقين إلى عين اليقين، فقوله: