للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَرِنِي كَيْفَ} وطلب مشاهدة الكيفية. (١)

ثالثًا: وقوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} ومعناه إيمانًا مطلقًا دخل فيه فصل إحياء الموتى، والواو واو حال دخلت عليه ألف التقرير، و {لِيَطْمَئِنَّ} معناه ليسكن عن فكره، والطمأنينة اعتدال وسكون على ذلك الاعتدال فطمأنينة الأعضاء معروفة، كما قال - عليه السلام -: "ثم اركع حتى تطمئن راكعًا"، الحديث، وطمأنينة القلب هي أن يسكن فكره في الشيء المعتقد. والفكر في صورة الإحياء غير محظورة، كما لنا نحن اليوم أن نفكر فيها؛ بل هي فكر فيها عبر، فأراد الخليل أن يعاين، فتذهب فكره في صورة الإحياء، إذ حركه إلى ذلك إما أمر الدابة المأكولة، وإما قول النمرود: أنا أحيي وأميت، وقال الطبري: معنى {لِيَطْمَئِنَّ} ليوقن. وحكي نحو ذلك عن سعيد بن جبير، وحكي عنه ليزداد يقينًا وقاله إبراهيم وقتادة. وقال بعضهم: لأزداد إيمانًا مع إيماني. (٢)

رابعًا: وقال آخرون سأل ذلك ربه؛ لأنه شك في قدرة الله على إحياء الموتى. وعن ابن عباس أنه قال: ما في القرآن آية أرجى عندي منها، وذكر عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فقال {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى}؟ وذكر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نحن أحق بالشك من إبراهيم".

وهذا مردود فأما قول ابن عباس - رضي الله عنه -: هي أرجى آية فمن حيث فيها الإدلال على الله تعالى وسؤال الإحياء في الدنيا، وليست مظنة ذلك، ويجوز أن يقول: هي أرجى آية لقوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ}؟ أي إن الإيمان كاف لا يحتاج بعده إلى تنقير وبحث، وأما قول عطاء بن أبي رباح: دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فمعناه من حب المعاينة، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت، به، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس الخبر كالمعاينة"، وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" فمعناه: أنه لو كان شك لكنا نحن


(١) تفسير القرطبي (٢/ ٢٥٦، ٢٥٧).
(٢) المحرر الوجيز (١/ ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>