للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٧ - سد الذرائع الموصلة إلى الزنا.]

قاعدة التشريع التي لا تنخرم أن اللَّه سبحانه وتعالى إذا حرَّم شيئًا حرم الأسباب والدوافع الموصلة إليه سدًا للذريعة وكفًا عن الوقوع في حمى اللَّه ومحارمه ليعيش في مجتمع مملوء بالإباء والشمم عن كافة الرزائل والطرائق الموصلة إليها حتى يلقى اللَّه وهو على هدى من اللَّه وصراط مستقيم.

ولهذا فإن علماء الشريعة استنبطوا بطريق التتبع والاستقراء لمواطن التنزيل قاعدة شريفة هامة تعتبر من الكليات التشريعية التي تعايش المسلم في كل لحظة وآن، تلك هي قاعدة: سد الذرائع الموصلة إلى المحرمات (١).

قال ابن القيم: لَمَّا كَانَتْ الْمَقَاصِدُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهَا إلَّا بِأَسْبَابٍ وَطُرُقٍ تُفْضِي إلَيْهَا كَانَتْ طُرُقُهَا وَأَسْبَابُهَا تَابِعَةً لَهَا مُعْتَبَرَةً بِهَا، فَوَسَائِلُ المُحَرَّمَاتِ وَالْمَعَاصِي في كَرَاهَتِهَا وَالْمَنْع مِنْهَا بِحَسَبِ إفْضَائِهَا إلَى غَايَاتِهَا وَارْتبَاطَاتِهَا بِهَا، وَوَسَائِلُ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ فِي مَحَبَّتِهَا وَالْإِذْنِ فِيهَا بِحَسَبِ إفْضَائِهَا إلَى غَايَتِهَا؛ فَوَسِيلَةُ الْمَقْصُودِ تَابِعَةٌ لِلْمَقْصودِ، وَكِلَاهُمَا مَقْصُودٌ، لَكِنَّهُ مَقْصُودٌ قَصْدَ الْغَايَاتِ، وَهِيَ مَقْصُودَةٌ قَصْدَ الْوَسَائِلِ، فَإِذَا حَرَّمَ الرَّبُّ تَعَالَى شَيْئًا وَلَهُ طُرُقٌ وَوَسَائِلُ تُفْضِي إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُهَا وَيَمْنَعُ مِنْهَا، تَحْقِيقًا لِتَحْرِيمِهِ، وَتَثْبِيتًا لَهُ، وَمَنْعًا أَنْ يُقْرَبَ حِمَاهُ، وَلَوْ أَبَاحَ الْوَسَائِلَ وَالذَّرَائِعَ الْمُفْضِيَةَ إلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلتَّحْرِيمِ، وَإِغْرَاءً لِلنُّفُوسِ بِهِ، وَحِكْمَتُهُ تَعَالَى وَعِلْمُهُ يَأْبَى ذَلِكَ كُلَّ الْإِبَاءِ، بَلْ سِيَاسَةُ مُلُوكِ الدُّنْيَا تَأْبَى ذَلِكَ (٢).

وقال أيضًا: وَبَابُ سَدِّ الذَّرَائِعِ أَحَدُ أَرْبَاعِ التَّكْلِيفِ؛ فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَالْأَمْرُ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا: مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ، وَالثَّانِي: وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ، وَالنَّهْيُ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا: مَا يَكُون


(١) الحدود والتعزيرات عند ابن القيم بكر أبو زيد (١٠٦).
(٢) إعلام الموقعين ٣/ ١١٢: ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>