٣ - كونكم تقولون: إن ما ردَّ به النبي - صلى الله عليه وسلم - هو من جنس قولهم! فهذا لا يقال بسببه: إن القرآن ليس من عند الله؛ لأن من استعظم أمر الأمثال إنما سأل فأجابه القرآن، ومعلوم بداهة أن الإجابة تحوي جزءًا من السؤال الذي تجاوب عليه، ومثل هذا جاء كثيرًا في كتاب الله، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد طُرح عليه أكثر من عشرات الأسئلة، وقد جاءت الإجابة في الكتاب أو السنة أو كليهما معًا مثل قوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ}، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ}، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} فأي جديد يريد المعترض؟ !
أن يُسأل عن أمر فتكون الإجابة عن أمر آخر، أو بلغة أخرى حتى يكون قد أتى بجديد! !
[الوجه الثاني: أين الأمانة في النقل؟]
نَقْلُ المعترض عن الطبري فيه شيء من عدم الدقة والأمانة العلمية للنقل، فأصول النقل العلمية تقتضي عدم تقطيع الكلام بشكل يوهم غير ما أراده قائله، أو بشكل يعبر عن وجهة نظر لم يودها القائل، وذلك يتضح في نقل المعترض عن الطبري تفسير - فما فوقها - بما دونها في الصغر، وترك تعليق الطبري إذ قال:(وهذا - أي التفسير بما دونها في الصغر - قول خلاف تأويل أهل العلم الذين ترتضى معرفتهم بتأويل القرآن). (١)
[الوجه الثالث: بلسان عربي مبين.]
إن لغة العرب التي خاطبنا الله - عز وجل - بها في كتابه وخاطبنا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - محفوظةٌ - ولله الحمد - فقول المعترض: ولقد حاول علماء المسلمين تفسير هذه الآية بما دونها في الصغر، كلام لازمه أن أي أحدٍ له أن يُدْخِلَ في لغة العرب ما يشاء، وهذا معلوم بطلانه بالضرورة عند كل من له أدنى مسكة من علم في اللغة.
إذن المرجع في فهم قوله تعالى:{فَمَا فَوْقَهَا} هي اللغة العربية وإليك بيان ذلك:
قال ابن قتيبة: من ذلك فَوْق؛ تكونُ فوق، وتكون بمعنى دون، ومنه قوله تعالى: