للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المائدة: ٦٧] كما لم يترك تبليغ غيره بمخالفة من خالفه، ومعاداة من عاداه، وإنما أراد ما حكا سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله، أن يكتب استخلاف أبي بكر ثم ترك كتابته اعتمادًا على ما علم من تقدير الله تعالى، ذلك كما هم به في ابتداء مرضه حين قال: "وارأساه"، ثم بدا له أن لا يكتب وقال: "يَأْبَى الله وَالمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْر"، ثم نبه أمته على خلافته، باستخلافه إياه في الصلاة حين عجز عن حضورها، وإن كان المراد به رفع الخلاف في الدين، فإن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - علم أن الله تعالى قد أكمل دينه بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، وعلم أنه لا تحدث واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بيانها نصًا أو دلالة. وفي نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جميع ذلك في مرض موته مع شدة وعكه مما يشق عليه، فرأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الاقتصار على ما سبق بيانه نصًا أو دلالة تخفيفًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (١)

[الوجه الثالث: وقد قيل: إن عمر خشي تطرق المنافقين ومن في قلبه مرض لما كتب في ذلك الكتاب في الخلوة.]

قال الخطابي: ولا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو ظن به غير ذلك مما لا يليق به بحال لكنه لما رأى مما غلب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوجع وقرب الوفاة مع ما اعتراه من الكرب خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه، فتجد المنافقون بذلك سبيلًا إلى الكلام في الدين. وقد كان أصحابه - صلى الله عليه وسلم - يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف، وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه فيه أحد منهم. قال: وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه، وقد أجمعوا كلهم على أنه لا يقر عليه. قال: ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - وإن كان الله تعالى قد رفع درجته فوق الخلق كلهم- فلم ينزهه عن سمات الحدث والعوارض البشرية، وقد سها في الصلاة فلا ينكر أن يظن به حدوث بعض هذه الأمور في مرضه فيتوقف في مثل هذا الحال حتى تتبين حقيقته؛ فلهذه


(١) دلائل النبوة للبيهقي (٨/ ٢٧٣)، وانظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى (٢/ ١٩٤)، شرح النووي (١١/ ٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>