للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السيوطي: حَدُّ الصَّحِيحِ: مُسنَدٌ بِوَصْلِهِ بِنَقْلِ عَدْلٍ ضَابِطٍ عَنْ مِثْلِهِ ولَمْ يَكُنْ شَذًّا وَلا مُعَلَّلا فأنت ترى: أن المحدثين قد وضعوا الضوابط والشروط لقبول الرواية والراوي، سواء عند التلقي والتحمل، أو الرواية والأداء، أو القبول والرد -وإن تحققت فيه شروط التحمل والأداء- وهذا أرقى ما توصلت له البشرية إلى وقتنا الحاضر في نقد المرويات (١).

[وهل يحكم بصحة الحديث إذا صح السند؟]

للإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن تُتَصور الشروط التي وضعها الأئمة للاحتجاج بالحديث، وقد سبق الإشارة إلى هذه الشروط بشيء من الاختصار الذي تقتضيه ضرورة البحث.

والإجابة الآن: أنه لا يحكم بصحة الحديث -وإن صح السند- حتى تتحقق فيه كامل الشروط، فإن تحققت؛ حُكِمَ له بالصحة، وإن اختل أحدها؛ لم يُحكم له بالصحة، وهذه كتب العلل والتخاريج شاهدة على ما نقول، بل هذه أحكام الأئمة المنتشرة في بعض دواوين السنة، وكتب الشروح دالة على ذلك أوضح دلالة.

فإذا أخل أحد الرواة بالحديث عند روايته بالمعنى، إما إخلالًا جزئيًا أو إخلالًا كليًا؛ لمخالفته ما مر من الشروط، إذا وقع ذلك؛ فإن أهل العلم المحققين به، وفرسان السنة ونقادها؛ لا يمرون ذلك، بل ينتقدونه ويبينونه في مصنفاتهم الكثيرة المنتشرة، ويبينون الصواب فيه.

[هل رواية الحديث بالمعنى كانت جناية على السنة ترفع الاحتجاج بها؟]

أولًا: الأصل في رواية الحديث هي روايته بلفظه لا بمعناه، وإنما تجوز رواية الحديث بالمعنى، بالشروط التي يأتي ذكرها.

ثانيًا: لو سلمنا أن الأصل رواية الحديث بالمعنى؛ فإنها ليست جناية على السنة، ولا تفضي إلى نتائج خطيرة، كما زعم المستشرقون وغيرهم، ذلك أننا لسنا متعبدين بألفاظ


(١) قلت: والعجب من هؤلاء المستشرقين: أن كتبهم منقطعة الاتصال، ورواتها مجهولون عندهم، ولا تكاد نسختان منها تتطابقان، حتى لجئوا للتلفيق والترقيع بينها ليخرجوا بنص مقبول، وكلما جد منهم فريق لا يرتضي عمل الآخر، ولمكن للقارىء الحادي اكتشاف ذلك بالقارنة بين طبعات الكتاب المقدس التي يسمونها نُسخًا، ومع ذلك فهم يعرفون بما لا يعرفون، ويدعون ما لا يستطيعون إثباته في سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وحقًّا: إن لم تستح؛ فاصنع ما شئت.

<<  <  ج: ص:  >  >>