للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أبعد ما يكون بأن تكون أحواله كأحوال الملوك، فعندما قال له عمر: يا رسول الله: ادْعُ الله فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ، فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ، وَأُعْطُوا الدُّنْيَا، وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ الله. فَقَالَ له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَفى شَكٍّ أنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أُولَئِكَ قَوْم عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتهمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" (١).

٢ - فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع ما يستطيع عليه بنفسه، فكان يخيط ثيابه، ويخصف نعله، ولو أمر إحدى زوجاته أو أحد أصحابه بفعل هذا بدلًا منه، لتسارع إلى ذلك.

فكونه يكتب ما نزل عليه من القرآن يعتبر أهون من تخييط الثوب، وخصف النعل، فعندما لم يفعل ذلك ولو مرة واحدة، كان ذلك دليلًا على أميته.

٣ - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأوقات لا يوجد كاتب بجواره، ومع ذلك يبعث إلى أحدهم ليكتب ما نزل عليه من القرآن، مع أنه في بعض الأوقات كانت تنزل عليه آية واحدة، فلو كان كاتبًا فما الذي يضره أن يكتبها هو.

[الشبهة السادسة.]

الشبهة تختص بقوله تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} [آل عمران: ٢٠] قالوا أن لفظة {الْأُمِّيِّينَ} في الآية معناها الذين ليس عندهم كتاب منزل كالعرب، وليس معناها الذين لا يقرؤون؛ لأن لفظة {الْأُمِّيِّينَ} في الآية جاءت مقابلة للفظة {أُوتُوا الْكِتَابَ} ومن ثَمَّ فقوله: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ} [الأعراف: ١٥٨] أي النبي العربي -المنسوب إلى العرب- الذي لم يُنَزَّل على قومه كتاب من قبله، وليس معناها النبي الذي لا يقرأ.

الرد على ذلك من وجوه:

الوجه الأول: لا تعارض بين كون أمي: أي لا يقرأ، وبين كون أمي: أي ليس له كتاب منزل عليه، أو على قومه.


(١) البخاري (٢٤٦٨)، ومسلم (٢٧٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>