للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستشهدون بقول أبي هريرة: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ" (١).

والرد على ذلك من وجوه:

[الوجه الأول: بيان معنى قول أبي هريرة.]

فإن الحديث يدل على أن عبد الله بن عمرو كان أكثر أخذًا للحديث من أبي هريرة لأنه كان يكتب، وأبو هريرة لا يكتب (٢)؛ لأنا نقول: إن عبد الله كان أكثر تحملًا، وأبو هريرة كان أكثر رواية، فإن قلت: كيف يكون الأكثر تحملا وهو داخل تحت عموم المهاجرين؟ قلت: هو أكثر من جهة ضبطه بالكتابة وتقييده بها، وأبو هريرة أكثر من جهة مطلق السماع (٣).

الوجه الثاني: أن هذا ليس عامًا فقد يكون في أول إسلام أبي هريرة.

قد تكون مقولة أبي هريرة - رضي الله عنه - قبل الدعوة النبوية لما طلب منه أن يبسط رداءه فبسطه ثم ضمه بعد أن دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينس شيئًا قط وصار بذلك أحفظ الصحابة.

قال ابن حجر: ويحتمل أن يقال تحمل أكثرية عبد الله بن عمرو على ما فاز به عبد الله من الكتابة قبل الدعاء لأبي هريرة؛ لأنه قال في حديثه فما نسيت شيئًا بعد، فجاز أن يدخل عليه النسيان فيما سمعه قبل الدعاء بخلاف عبد الله؛ فإن الذي سمعه مضبوط بالكتابة، والذي انتشر عن أبي هريرة مع ذلك أضعاف ما انتشر عن عبد الله بن عمرو لتصدي أبي هريرة لذلك ومقامه بالمدينة النبوية بخلاف عبد الله بن عمرو في الأمرين (٤).

[الوجه الثالث: قد يكون الاستثناء منقطع، وعند ذلك فلا إشكال.]

قال ابن حجر: فَإِنْ قُلْنَا الاسْتِثْنَاء مُنْقَطِع فَلَا إِشْكَال، إِذْ التَّقْدِير: لَكِنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ عَبْد الله وَهُوَ الْكِتَابَة لَمْ يَكُنْ مِنِّي، سَوَاء لَزِمَ مِنْهُ كَوْنه أَكْثَر حَدِيثًا لمَا تَقْتَضِيه الْعَادَة أَمْ لَا. (٥)

الوجه الرابع: قد يكون هذا على حسب ظنه.


(١) البخاري (١١٣).
(٢) أبو هريرة راوية الإسلام صـ ٢٦٧.
(٣) عمدة القاري شرح صحيح البخاري ٢/ ١٨٢.
(٤) فتح الباري ١/ ٢٥١.
(٥) فتح الباري ١/ ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>