للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الخامس: لأنه قتله قبل أن يؤذن له في القتل، ولأنه ليس لنبي أن يقتل ما لم يؤمر، وليس من سنن آبائه الأنبياء - عليهم السلام - في مثل هذه الحادثة التي شاهدها وقد أفضى إلى قتل نفس لم يشرع في شريعة من الشرائع قتلها. (١)

[الوجه السادس]

وإنما عدَّه من عملِ الشَّيطانِ وسمَّاه ظُلمًا واستغفرَ منه جريًا على سُنَنِ المقرَّبينَ في استعظامِ ما فرطَ منهم ولو كانَ من محُقِّراتِ الصَّغائرِ. (٢)

[الوجه السابع]

إن اعتراف موسى - عليه السلام - بظلمه لنفسه واستغفاره لا يستلزم منه أنه كان على ذنب؛ بل يعد هذا من مناقبه.

لا يشترط للاستغفار أن يكون على ذنب، بل إن الاستغفار عبادة لله سبحانه وتعالى، وقد طلب الأنبياء - عليهم السلام - الغفران من الله - عز وجل -، قال - عز وجل - على لسان نوح - عليه السلام -: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (٢٨)} [نوح: ٢٨]، وقال - عز وجل - على لسان إبراهيم - عليه السلام -: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: ٨٢]، وقال - عز وجل - على لسان داود - عليه السلام -: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: ٢٤]، وقال - عز وجل - على لسان سليمان - عليه السلام -: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: ٣٥].

فهل كان استغفار الأنبياء على ذنب؟ !

وكذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَالله إني لأَسْتَغْفِرُ الله وَأَتُوبُ إِلَيْهِ في الْيَوْمِ أَكْنَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً" (٣).

وعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثًا وَقَالَ: "اللهمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ" (٤).


(١) تفسير النسفي ٣/ ٢٢٩، تفسير أبي السعود ٧/ ٦، روح المعاني ٢٠/ ٥٤.
(٢) تفسير أبي السعود ٧/ ٦، تفسير حقي ١٠/ ١٢٧.
(٣) البخاري (٦٣٠٧)، مسلم (٢٧٠٢).
(٤) مسلم (٥٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>