للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الأول: بيان معنى الآية والحديث]

قوله تعالى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} لما رأى استمرارهم في غيهم، وضعف عنهم، ولم يقدر على دفعهم، تمنى لو وجد عونًا على ردهم؛ فقال على جهة التفجع والاستكانة: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} أي أنصارًا وأعوانًا. وقال ابن عباس: أراد الولد .. وجواب "لو" محذوف؛ أي لرددت أهل الفساد، وحلت بينهم وبين ما يريدون. "أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ "أي ألجأ وأنضوي. ومراد لوط بالركن العشيرة، والمنعة بالكثرة. وبلغ بهم قبيح فعلهم إلى قوله هذا مع علمه بما عند الله تعالى. (١)

قال النووي: ويرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد فالمراد بالركن الشديد هو الله سبحانه وتعالى فإنه أشد الأركان وأقواها وأمنعها ومعنى الحديث - والله أعلم -: أن لوطا - صلى الله عليه وسلم - لما خاف على أضيافه ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه، واشتد حزنه عليهم فغلب ذلك عليه، فقال في ذلك الحال: لو أن لي بكم قوة في الدفع بنفسي أو آوى إلى عشيرة تمنع لمنعتكم، وقصد لوط - صلى الله عليه وسلم - إظهار العذر عند أضيافه، وأنه لو استطاع دفع المكروه عنهم بطريق ما لفعله وأنه بذل وسعه في إكرامهم والمدافعة عنهم، ولم يكن ذلك إعراضًا منه - صلى الله عليه وسلم - عن الاعتماد على الله تعالى، وإنما كان لما ذكرناه من تطيب قلوب الأضياف. (٢)

[الوجه الثاني: أن هذا قول مردود باطل لا شك فيه.]

قال ابن حزم: ومن اعتقد أن لوطًا كان يعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد فقد كفر؛ إذ نسب إلى نبي من الأنبياء هذا الكفر، وهذا أيضًا ظن سخيف إذ من المتنع أن يظن برب أراه المعجزات وهو دائبًا يدعو إليه هذا الظن. (٣)

الوجه الثالث: الآثار التي يحتجون بها من عتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ووجد الملائكة على لوط لا تصح.


(١) تفسير القرطبي ٩/ ٨١ باختصار.
(٢) شرح صحيح مسلم للنووي ١/ ٤٦٢.
(٣) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢/ ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>