للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الطبري: فأثار الله للقاتل؛ إذ لم يدر ما يصنع بأخيه المقتول: {غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ} يقول: يحفر في الأرض فيثير ترابها: {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ} يقول: ليريه كيف يواري جيفة أخيه، وقد يحتمل أن يكون عني بالسوأة الفرج، غير أن الأغلب من معناه ما ذكرت من الجيفة، بذلك جاء تأويل أهل التأويل، وفي ذلك محذوف ترك ذكره استغناءً بدلالة ما ذكر منه وهو: فأراه بأن بحث في الأرض لغراب آخر ميت فواراه فيها، فقال القاتل أخاه حينئذ: يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب الذي وارى الغراب الآخر الميت: {فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} فواراه حينئذ: {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} على ما فرط منه من معصية الله - عز ذكره - في قتله أخاه (١).

[الوجه الثالث: القرآن لم يذكر اسمي ابني آدم - عليه السلام -]

قالوا: إن اسم قابيل هو قابين كما هو في التوراة، وإنما قال القرآن قابيل لمراعاة السجع.

والجواب: إنما هذا الكلام يدل على جهل القائل فهو ما استطاع أن يفرق بين القرآن وكلام أهل التفسير على القرآن. فالقرآن لم يذكر اسمي ابني آدم - عليه السلام - وكذلك السنة الصحيحة، فلم يرد خبر صحيح بتسمية ابني آدم - عليه السلام -.

وقدَ قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا" وَذَلِكَ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ (٢).

وإنما هذه التسمية أشيعت بين أهل التاريخ والسير والتفسير. (٣)

ونحن نسأل لم يثبت عندنا في القرآن ولا في السنة اسمي ابني آدم، وعندكم في نسخة لكتابكم يوجد "قايين" بياءين" وفي أخرى "قابين" بياء واحدة فأيها أصح؟


(١) تفسير الطبري (٦/ ١٩٩).
(٢) البخاري (٣٣٣٥)، ومسلم (١٦٧٧) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.
(٣) وقد تناقل أهل التاريخ والتفسير اسمي ابني آدم بدون دليل على ذلك من القرآن أو السنة. ذكر ذلك (الطبري في تفسيره، وابن كثير وغيرهما).

<<  <  ج: ص:  >  >>