للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: أنهم يلزمون الأدب عند سماعها كما كان الصحابة - رضي الله عنهم - عند سماعهم كلام الله تعالى من تلاوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقشعر جلودهم، ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله، ولم يكونوا يتصارخون ولا يتكلفون بما ليس فيهم؛ بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية ما لا يلحقهم أحد في ذلك. (١)

قال القرطبي: وقد جمع الله بين المعنيين في قوله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: ٢٣]؛ أي تسكن من حيث اليقين إلى الله وإن كانوا يخافون الله، فهذه حالة العارفين بالله الخائفين من سطوته وعقوبته لا كما يفعله جهال العوام والمبتدعة الطَّغَام. (٢)

[الوجه الثالث: قد يحمل الوجل عند ذكر وعيده، ويحمل الاطمئنان عند ذكر وعده]

قال الشيخ محمد رشيد رضا: فيقابل بين هذه الآية - أي قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}، وما في معناها وبين قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)} [الرعد: ٢٨]، فيظن أن بينهما تعارضًا، فيحاول التقصي منه بحمل هذا على ذكر الوعد والآخر على ذكر الوعيد، ولا تعارض في الحقيقة ولا تنافي ففي كل من الوعد والوعيد وصفات الكمال، وذكر آيات الله تعالى في الأنفس والآفاق اطمئنان للقلوب بالإيمان بالله تعالى والثقة بما عنده. (٣)

قال صاحب فتح البيان: فإن قيل قال هنا: {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}، وقال في آية أخرى: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ}، فكيف الجمع بينهما؟

قلت: الاطمئنان بذكره بصفات الجمال، والوجل إنما هو بذكر وعيده. (٤)


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٦٧).
(٢) تفسير القرطبي (٧/ ٣٤٩)، والرازي (١٥/ ١١٨).
(٣) تفسير المنار (٩/ ٥٩٠).
(٤) فتح البيان في مقاصد القرآن (٥/ ١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>