للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه السابع: لو كان الأمر على خلو المصحف من النقط والشكل، وعلى حسب الاختيار لما يحتمله الرسم؛ لكان القرآن من كلام البشر والله وعد بحفظه.]

لو كان مبعث اختلاف القراءات وتنوعها خلو المصاحف من النقط والشكل، وكان كل قارئ يقرأ بقراءة يختارها من تلقاء نفسه إذا كان الرسم محتملًا لها، ولم يكن مبعثها الوحي والمشافهة والتلقي من فيه - صلى الله عليه وسلم - لكان القرآن من كلام البشر، ولم يكن كله وحيًا سماويًا منزَّلًا من عند الله تعالى، ولو كان كذلك لذهبت أعظم خاصية من خصائصه، تلك الخاصية التي امتاز بها القرآن عن سائر الكتب السماوية السابقة وهو الإعجاز، ولو ذهبت عنه صفة الإعجاز لم يكن للتحدي به - بجميع قراءاته ورواياته - وجه، ولم يكن لعجز العرب عن معارضته سر - حيث إن بعضه من وضع جنسهم - ولم يكن للإيمان به والتعبد بتلاوته معنى أصلًا، لكن الله تعالى أمرنا بالإيمان به، والتعبد بتلاوته، وتحدى به سائر العرب، فعجزوا عن معارضته والإتيان بمثله؛ بل بأقصر سورة من سوره، فحينئذ تكون صفة الإعجاز ملازمة له لا تفارقه ولا تنفك عنه.

إذًا لم يكن بعضه من كلام البشر؛ بل كله من كلام الله - عز وجل -، فلا يكن مبعث القراءات خلو المصاحف من النقط والحركات، بل مبعثها الوحي والتلقي والمشافهة من فيه - صلى الله عليه وسلم -، وهو المطلوب (١).

إن الله تعالى وعد بحفظ كتابه من أن تمتد إليه يد العبث والتحريف التي امتدت إلى ما سبقه من الكتب السماوية. (٢) فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩].

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)} [فصلت: ٤١، ٤٢]، ولا شك أن قراءته بالرأي والاختيار تفضي - من قريب أو من بعيد - إلى تعريض نصوصه للتغيير والتصحيف، وذلك ينافي الوعد بحفظه، ووصفه بأنه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}.


(١) القراءات في نظر المستشرقين والملحدين للشيخ عبد الفتاح القاضي صـ ٧٣: ٧٤.
(٢) راجع مسألة حفظ القرآن في بحث جمع القرآن في هذه الموسوعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>