للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثاني: الحكمة من خلق آدم على عدة مراحل.]

قال الرازي: والأقرب أنه تعالى خلق آدم أولًا من تراب، ثم من طين، ثم من حمأ مسنون، ثم من صلصال كالفخار، ولا شك أنه تعالى قادر على خلقه من أي جنس من الأجسام كان، بل هو قادر على خلقه ابتداء، وإنما خلقه على هذا الوجه إما لمحض المشيئة، أو لما فيه من دلالة الملائكة ومصلحتهم ومصلحة الجن، لأن خلق الإنسان من هذه الأمور أعجب من خلق الشيء من شكله وجنسه (١).

الوجه الثالث: خلق سلالة آدم عليه السلام تم أيضًا على عدة مراحل.

وكذلك الحال والمنهاج مع المصطلحات التي وردت بالآيات القرآنية التي تحدثت عن خلق سلالة آدم عليه السلام، فكما تدرج خلق الإنسان الأول آدم من التراب إلى الطين. . . إلى الحمأ المسنون. . . إلى الصلصال. . . حتى نفخ اللَّه فيه من روحه. . . كذلك تدرج خلق السلالة والذرية بدءًا من (النطفة) -التي هي الماء الصافي- ويُعَبَّرُ بها عن ماء الرجل (المنىّ). . . إلى (العَلَقَة) التي هي الدم الجامد، الذي يكون منه الولد؛ لأنه يعلق ويتعلق بجدار الرحم إلى (المضغة) وهى قطعة اللحم التي لم تنضج، والمماثلة لما يمضغ بالفم. . . إلى (العظام). . . إلى (اللحم) الذي يكسو العظام. . . إلى (الخلق الآخر) الذي أصبح بقدرة اللَّه في أحسن تقويم (٢).

ومن الآيات التي تحدثت عن توالى وتكامل هذه المراحل في خلق وتكوين نسل الإنسان الأول وسلالته قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥)} (الحج: ٥).


(١) تفسير الفخر الرازي ١/ ٢٦٧٢.
(٢) انظر معاني هذه المصطلحات في (المفردات في غريب القرآن).

<<  <  ج: ص:  >  >>