للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والظاهرة، وسائر العلوم الدينية، فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار؛ ليكون ذلك موافقًا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده أو اعتقاد غيره من العلماء أن القراءات السبعة هي الحروف السبعة، أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم، ولهذا قال من قال من أئمة القراء: لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي إمام جامع البصرة، وإمام قراء البصرة في زمانه في رأس المائتين.

ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده؛ بل قد يكون معناها متفقًا أو متقاربًا، كما قال عبد الله بن مسعود: إنما هو كقول أحدكم: أقبِل، وَهَلُمَّ، وَتَعَال، وقد يكون معنى أحدهما ليس هو معنى الآخر، لكن كلا المعنيين حق، وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض، وهذا كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا حديث: (أنزل القرآن على سبعة أحرف، إن قلت: غفورًا رحيمًا، أو قلت: عزيزًا حكيمًا فالله كذلك، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة). وهذا كما في القراءات المشهورة {رَبَّنَا بَاعِدْ} و {بَاعِدْ} [سبأ: ١٩]، {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا} [البقرة: ٢٢٩] و (إلا أن يُخافا ألا يقيما)، {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} - و (ليزول) [إبراهيم: ٤٦]، و {بَلْ عَجِبْتَ} و {بل عجبتُ} (الصافات: ١٢) ونحو ذلك. . (١)

[الوجه الثاني: بيان الفرق بين القرآن والقراءات.]

قال الزركشي: إن القرآن غير القراءات، فالقرآن: هو الوحي المنزَّل على محمد - صلى الله عليه وسلم - للبيان والإعجاز، والقراءات: هي اختلاف في كيفية النطق بألفاظ الوحي، من تخفيف أو تثقيل أو مد أو نحو ذلك (٢)، قال أبو شامة: "ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل. (٣)


(١) مجموع فتاوى ابن تيمية ٢/ ٣٣٠.
(٢) البرهان في علوم القرآن ١/ ٣١٨.
(٣) مباحث في علوم القرآن ١/ ١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>