للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {اتَّقِ اللَّهَ} أي: زد من التقوى، لئلا تلتفت إلى شيء سواه، فإنه أهل لأن يرهب لما له من خلال الجلال، والعظمة والكمال، ولما وجه إليه الأمر بخشية الولي الودود، أتبعه النهي عن الالتفات نحو العدو والحسود. فقال: {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} (١).

وناداه الله عزَّ وجلَّ بالنبي وأمره بالتقوى تعظيمًا له وتفخيمًا لشأن التقوى. والمراد به الأمر بالثبات عليه ليكون مانعًا له عما نهى عنه بقوله {وَلَا تُطِعِ} (٢).

وقوله: {وَلَا تُطِعِ} مرادف: لا تَتَّق الكافرين والمنافقين؛ فإن الطاعة تقوى. فصار مجموع الجملتين مفيدًا معنى: يأيها النبي لا تتق إلا الله. فعدل عن صيغة القصر وهي أشهر في الكلام البليغ وأوجز إلى ذكر جملتي أمر ونهي لقصد النص، على أنه قصر إضافي أُريد به أن لا يطيع الكافرين والمنافقين؛ لأنه لو اقتصر على أن يُقال: لا تتق إلا الله لما أصاخت إليه الأسماع إصاخة خاصة لأن تقوى النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه أمر معلوم (٣).

[الوجه الثاني: لماذا يؤمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتقوى.]

أولًا قدّمنا أن معنى قوله تعالى: {اتَّقِ اللَّهَ} أي: زد من التقوى وداوم عليها وأكثر منها، وأنه أيضًا خطاب له أريد به أمته.

ثانيًا: ولا يجوز حمل هذا الأمر على غفلة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن قوله {النَّبِيُّ} ينافي الغفلة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبير، فلا يكون غافلًا؛ فيجب حمله على خطر الخطب، فقد يتوهم من قوله: {يَاأَيُّهَا} أن الهاء هنا للتنبيه، نعم هناك فرق بين قولك (يا رجل)، وقولك (يا أيها الرجل)، فالأخرى هي لتنبيه الغافل، لكن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الحال مختلف لفضله ومنزلته - صلى الله عليه وسلم -،


(١) نظم الدرر للبقاعي (٦/ ٦٨).
(٢) تفسير البيضاوي (١/ ٣٦٢).
(٣) التحرير والتنوير (٢١/ ٢٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>