للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد ذلك، ولم تكن واحدة منهن أولى بالابتداء من صاحبتها، فلما استوت حقوقهن جمعهن كلهن في ليلة، ثم استأنف القسمة بعد ذلك.

والوجه الثاني: يحتمل أن يكون استطاب أنفس أزواجه، فاستأذنهن في ذلك كنحو استئذانهن أن يُمرَّض في بيت عائشة؛ قاله أبو عبيد.

والوجه الثالث: قاله المهلب قال: يحتمل أن يكون دورانه عليهن في يوم يفرغ من القسمة بينهن، فيقرع في هذا اليوم لهن كلهن يجمعهن فيه، ثم يستأنف بعد ذلك القسمة، والله أعلم (١).

وقال ابن العربي: إن الله خص نبيه بأشياء في النكاح، ومنها أنه أعطاه ساعة لا يكون لأزواجه فيها حق حتى يدخل فيها جمغ أزواجه، فيفعل ما يريد بهن، ثم يدخل عند التي يكون الدور لها. (٢)

قال ابن الجوزي: اعلم أن العرب كانت تعد القوة على النكاح من كمال الخلقة وقوة البنية، كما تعد الشجاعة منها، وكان - صلى الله عليه وسلم - أتمَّ الناس خلقة، ثم أُعطي قوة ثلاثين، ثم كان في فعله ذلك رد على النصارى في التبتل طلبًا للنسل (٣).

وهذه الخصوصية فضل ومنة من الله تعالى على رسوله؛ ناسب ما كان يمتع به من منزلة وشرف على أمته، وما رزقه الله من قوة بدنية، وباءة في النكاح يؤدي بها حقوق أهله تامة غير منقوصة (٤).

[الوجه الثاني: النبي - صلى الله عليه وسلم - أزهد الناس في الدنيا.]

عاش النبي - صلى الله عليه وسلم - حياة بعيدة عن الترف والشهوات، وكان شغله الشاغل أن يعبد ربه حق عبادته، فكان يقوم حتى تتفطر قدماه، وتقول عائشة - رضي الله عنها -: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) شرح ابن بطال (١/ ٤١٤: ٤١٣).
(٢) عمدة القاري (٣/ ٢١٥).
(٣) كشف المشكل (١/ ٨٥٥).
(٤) أروع القيم الحضارية في سيرة خير البرية (١/ ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>