للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَطْيَب وَأَطْهَر" (١).

وقال ابن بطال: لم يختلف العلماء في جواز وطء جماعة نساء في غسل واحد على ما جاء في حديث عائشة، وأنس، وروى ذلك عن ابن عباس، وقاله عطاء، ومالك، والأوزاعي (٢).

وَالْحَدِيث فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْغُسْل لَا يَجِب بَيْن الْجَماعَيْنِ، سَوَاء كَانَ لِتِلْكَ الْمُجَامَعَة أَوْ لِغَيْرِهَا.

وَقَالَ النوَوِيّ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالَّذِي قَالَاهُ هُوَ حَسَن جدًّا، وَلَا تَعَارُض بَيْنهمَا، فَمَرَّة تَرَكَهُ رَسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْأُمَّة، وَمَرَّة فَعَلَهُ (أي: الغسل) لِكَوْنِهِ أَزْكَى وَأَطْهَر (٣).

قال ابن رجب: ووجه اسستدلال البخاري بالحديث على أن تكرار الجماع بغسل واحد - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو اغتسل من كل واحدة من نسائه لكان قد اغتسل تسع مرات، فيبعد حينئذ أن يبقى للطيب أثر، فلما أخبرت أنه أصبح ينضخ طيبًا اُستُدِلَّ بذلك على أنه اكتفى بغسل واحد (٤)

وليس في الحديث ما يدل على أنه كان شهواني، والرد على ذلك من وجوه:

الأول: أقوال العلماء:

قال ابن حجر: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفَوَائِدِ غَيْر مَا تَقَدَّمَ، مَا أُعْطِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى الْجِمَاعِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ الْبِنْيَةِ وَصِحَّة الذُّكُورِيَّة، وَالْحِكْمَة فِي كَثْرَةِ أَزْوَاجِهِ أَنَّ الْأَحْكَامَ الَّتِي لَيْسَتْ ظَاهِرَةً يَطَّلِعْنَ عَلَيْهَا فَيَنْقُلْنَهَا، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَائِشَة مِنْ ذَلِكَ الْكَثِير الطَّيِّب، وَمِنْ ثَمَّ فَضَّلَهَا بَعْضهمْ عَلَى الْبَاقِيَاتِ (٥).

وقال ابن بطال: ويحتمل أن يكون دورانه - صلى الله عليه وسلم - عليهن في يوم واحد لمعان:

أحدها: أن يكون ذلك عند إقباله من سفره، حيث لا قسمة تلزمه لنسائه؛ لأنه كان إذا سافر أقرع بين نسائه فأيتهن أصابتها القرعة خرجت معه، فإذا انصرف استأنف القسمة


(١) أبو داود (٢١٩)، ابن ماجه (٥٩٠)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (٢٠٣)، وانظر: فتح الباري (١/ ٤٤٥).
(٢) شرح ابن بطال (١/ ٤١٣).
(٣) عون المعبود (١/ ٢٥٣).
(٤) فتح الباري لابن رجب (٢/ ٣١).
(٥) فتح الباري (١/ ٤٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>