يظلمهم ويجعل أرواحهم في جهنم هذا إن قدر أن الشيطان كان قادرا على ذلك وكيف يجوز أن يجعل الشيطان بعد موت أنبيائه وأوليائه وسقوط التكليف عنهم واستحقاقهم كرامته وإحسانه وجنته بحكم وعده ومقتضى حكمته فجعله مسلطًا على حبسهم في جهنم.
وإن قالوا الرب -عَزَّ وَجَلَّ- ما كان يقدر على تخليصهم من الشيطان مع علمه بأنه ظالم معتد عليهم بعد الموت إلا بأن يحتال عليه بإخفاء نفسه ليتمكن الشيطان منه كما يزعمون فهذا مع ما فيه من الكفر العظيم وجعل الرب سبحانه عاجزًا كما جعلوه أولًا ظالمًا فيه من التناقض ما يقتضي عظيم جهلهم الذي جعلوا به الرب جاهلًا فإنهم يقولون إنه احتال على الشيطان ليأخذه بعدل كما احتال الشيطان على آدم بالحية فاختفى منه لئلا يعلم أنه ناسوت الإله.
[الوجه الثاني: هل ضاقت الأمور بالإله بحيث لم يجد وسيلة للتوفيق بين العدل والرحمة إلا الصلب؟]
أين كان عدل الله ورحمته منذ طرد آدم من الجَنَّة حتى صلب المسيح (في زعمهم)، فهل كان الله حائرًا بين العدل والرحمة آلاف السنين حتى قبل المسيح منذ ألفي عام فقط أن يُصلب للتكفير عن خطيئة آدم - عَلَيْهِ السَّلَام -، ثم كيف ضاقت الأمور على رب العالمين في نظر النصارى حتى استحال عليه أن يجد طريقًا آخر للخلاص ووسيلة أخرى من الممكن بواسطتها أن يغفر خطيئة آدم بدلًا من هذه الصورة القاسية لمن يزعمون أن صلب ابنه بتلك الصورة التي زادت بها خطايا البشر، فهل يُعالج المرض بمرض أخطر منه؟ أليس أولى بحكمة الله أن يقول للعصاة غفرت لكم بدلًا من هذه التمثيلية البشعة؟ وكيف يُستساغ أن يظل سبحانه مضمرًا السوء للجنس البشري غاضبًا عليه آلاف السنين حتى جاءت رسالة المسيح، وهنا فقط ينتهي الغضب بحادثة الصلب والقتل المنسوبة إليه؟ (١).
الوجه الثالث: كيف يكون أمر الصلب مخفيًا عن الأنبياء، فلم يذكروه في كتبهم حتى أتى بولس بعد المسيح فذكره؟
إن من العجب أن يعتقد النصارى أن هذا السر اللاهوتي وهو خطيئة آدم وغضب الله على الجنس البشري بسببها ظل مكتومًا عن كل الأنبياء والرسل السابقين، ولم تكتشف إلا