للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحواقّ من الأمور، وهي الصادقة الواجبة الصدق، وجميع أحكام القيامة صادقة واجبة الوقوع والوجود، قال الكسائي، والمؤرج: {الْحَاقَّةُ (١)} يوم الحق، وقيل: سميت بذلك لأن كل إنسان فيها حقيق بأن يجزى بعمله، وقيل: سميت بذلك لأنَّها أحقت لقوم النار، وأحقت لقوم الجَنَّة، والمعنى: أيّ شيء هي في حالها أو صفاتها؟ أي: أيّ شيء أعلمك ما هي؟ أي: كأنك لست تعلمها إذا لم تعاينها وتشاهد ما فيها من الأهوال، فكأنها خارجة عن دائرة علم المخلوقين (١).

[الوجه الثاني: علاقتها بما قبلها.]

مما سبق بينا فائدة تكرار هذه الكلمة، وفائدة الاستفهام في هذه الآياتِ؛ ردًّا على قولهم أن هذا الكلام ليس له معنى.

وأما قولهم أنَّها ليس لها رابط بما قبلها، فهو كلام مردود، وقد بينا ذلك في نقلنا لتفسير هذه الآياتِ من تفسير البقاعي، وقلنا: أنَّ الله تعالى يكمل كلامه الذي بدأه في سورة (ن)، التي حذر فيها الكافرين والمكذبين، وذكر فيها اليوم الذي يكشف فيه عن ساق، ويشتد العذاب على الظالمين، فأكمل كلامه في سورة الحاقة ببيان عظم شأن هذا اليوم، وبيان بعض أهواله التي لا يطيقها أحد - إلا من رحم الله -.

وأما رابطها بما بعدها: فقد بين الله - عَزَّ وَجَلَّ - بعد ذكره هذه الآياتِ أهوال هذا اليوم، وذكر أمثالا من القوم الذين كذبوا بالبعث والنشور، فقال: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (٤)} (الحاقة: ٤)، والقارعة هي القيامة، ثم ذكر بعض أهوال هذا اليوم فقال: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} (الحاقة: ١٣)، إلى قوله {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (٣٥) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (٣٧)} [الحاقة: ٣٥ - ٣٧]، وسرد في هذه الآياتِ كيفية بدء هذا اليوم، وذكر فيه حال أصحاب اليمين، وحال أصحاب الشمال، فكيف لا تكون هذه الآيات ليس لها علاقة بما بعدها، إن هذا من سفه العقول، وانعدام الفهم والتدبر.


(١) فتح القدير (٥/ ٣٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>