للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الحقوق الواجبة على الراعي أن يعلم المقصود من الولاية: إن المقصود الواجب بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم وهو نوعان: قسم المال بين مستحقيه، وعقوبات المعتدين فمن لم يعتد أصلح له دينه ودنياه ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول "إنما بعثت عمالي إليكم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم ويقيموا بينكم دينكم" فلما تغيرت الرعية من وجه والرعاة من وجه تناقضت الأمور، فإذا اجتهد الراعي في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان كان من أفضل أهل زمانه وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله، فالمقصود أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الله اسم جامع لكلماته التي تضمنها كتابه وهكذا قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥].

فالمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط في حقوق الله وحقوق خلقه ثم قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [الحديد: ٢٥]، فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف. (١)

ومتى اهتم الولاة بإصلاح دين الناس صلح للطائفتين دينهم ودنياهم وإلا اضطربت الأمور عليهم وملاك ذلك كله حسن النية للرعية وإخلاص الدين كله لله والتوكل عليه فإن الإخلاص والتوكل جماع صلاح الخاصة والعامة كما أمرنا أن نقول في صلاتنا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} فإن هاتين الكلمتين قد قيل إنهما يجمعان معاني الكتب المنزلة من السماء وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مرة في بعض مغازيه فقال: "يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين" فجعلت الرءوس تندر عن كواهلها، وقد ذكر ذلك في غير موضع


(١) السياسة الشرعية (٢٩ - ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>