للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرق العداء لأصحاب الحديث، فاخترعوا الأباطيل وأرادوا أن تفقد الأمة الثقة بهم، ولكن الله أبى إلاّ أن يكشف أمر هذه الفرق، ويميط اللثام عن وجوه المتسترين وراءها، فكان أصحاب الحديث هم جنود الله بينوا حقيقة هؤلاء، وأظهروا نواياهم وميولهم، فما من حديث، أو خبر يطعن في صحابي، أو يشكك في عقيدة، أو يخالف مبادئ الدين الحنيف إلا بين جهابذة هذا الفن يد صانعه، وكشفوا عن علته (١).

[الوجه الرابع: الأحاديث صحيحة بغير هذه الزيادات.]

أما عن الخبر الأول: وهو قدوم أبي هريرة - رضي الله عنه - العراق، وقال: (أشهد بالله أن عليًّا أحدث فيها) فإنه من رواية الإسكافي، وقد عرفناه منزلة وأخباره، فلا نعلمه ولا نكاد نصدقه، وكيف يصح هذا العقول وعلي -رضي الله عنه- كان بالعراق، ومعاوية -رضي الله عنه- كان بالشام، وأبو هريرة كان بالحجاز، إذ الثابت أنه بعد أن تولى إمارة البحرين في عهد عمر -رضي الله عنه- لم يفارق الحجاز.

قال ابن عبد البر: إنه لما عاد من البحرين في عهد عمر -رضي الله عنه- ورغب إليه عمر أن يعود واليًا عليها مرة أخرى فأبى، لم يزل بالمدينة حتى مات. ولو سلّمنا -جدلًا- بصحة هذه الرواية؛ فإن أبا هريرة يدفع عن نفسه ما أشاعه بعض خصوم الأمويين، ثم إن الحديث الذي روى عن أبي هريرة ينفي نفيًا قاطعًا صحة هذه الرواية ويبين زيفها. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "المدِينَةُ حَرَمٌ فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنهُ الله وَالملائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلا صَرْفٌ" (٢) ليس فيها تلك الزيادة التي اختلقتها أيدي الواضعين في ذم الإمام عليّ، لينال أبو هريرة أجره من معاوية -رضي الله عنه- جميعًا (٣).

وأما عن الخبر الثاني: وهو قول الشاب له: فأشهد بالله لقد واليت عدوه، وعاديت وليه، ثم قام عنه وانصرف. والجواب عليه: أولًا: حديث: (من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) فهو حديث صحيح.


(١) أبو هريرة راوية الإسلام (٢٥٢: ١٤٩)، وانظر دفاع عن السنة (صـ ١٦٠).
(٢) مسلم (١٣٧١).
(٣) دفاع عن السنة (صـ ١٦٠)، أبو هريرة راوية الإسلام (٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>