للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشهورة المرنة كثيرًا التي تختصر الروح الخلقي للقانون الإسلامي (١).

يقول تريتون (٢): أما النواحي الشرقية القصوى من الدولة الإسلامية فإن الشعوب المحكومة كانت تعامل معاملة تنطوي على مثل هذا العطف الذي حظيت به في النواحي الأخرى (٣).

ولما تدانى أجل عمر بن الخطاب أوصى من بعده وهو على فراش الموت بقوله: (أوصى الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيرًا، وأن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وألّا يكلفهم فوق طاقتهم) (٤) وفي الأخبار النصرانية شهادة تؤيد هذا القول، وهي شهادة "عيثويابه" الذي تولى كرسي البطريركية من سنة ٦٤٧ إلى ٦٥٧ م إذ كتب يقول: إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون، إنهم ليسوا بأعداء للنصرانية؛ بل يمتدحون ملتنا ويوقرون قسيسينا وقدّيسينا، ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا. والظاهر أن الاتفاق الذي تم بين عيثويابه وبين العرب كان من صالح النصارى فقد نصّ على وجوب حمايتهم من أعدائهم وألا يحملوا قسرًا على الحرب من أجل العرب، وألّا يؤذوا من أجل الاحتفاظ بعاداتهم وممارسة شعائرهم، وألا تزيد الجزية المجباة من الفقير على أربعة دراهم، وأن يؤخذ من التاجر والغني اثنا عشر درهمًا، وإذا كانت أمة نصرانية في خدمة مسلم فإنه لا يحق لسيدها أن يجبرها على ترك دينها


(١) المصدر السابق صـ ٢٧٨.
(٢) آرثر ستانلي تريتون. ولد عام ١٨٨١، وتعلم في عدد من الكليات البريطانية وعين مساعد أستاذ للعربية في ادنبرا ١٩١١ وكلاسكو ١٩١٩، وأستاذًا في عليكرة في الهند ١٩٢١، ومدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن ١٩٣١ - ٣٨ - ٤٧ - ، وقد وجه جل اهتمامه إلى الفقه وطوّف في عدد من البلدان العربية.
من آثاره: أئمة الزيدية بصنعاء واليمن ١٩٢٥، الخلفاء ورعاياهم من غير المسلمين ١٩٣٠، علم الكلام في الإسلام ١٩٤٧، الإسلام إيمان وشعائر ١٩٥٠، مواد في التربية الإسلامية ١٩٥٧. كما نشر عددًا من الأبحاث في المجالات الاستشراقية وبخاصة مجلة الجمعية الملكية الآسيوية.
(٣) أهل الذمة في الإسلام صـ ٤٣.
(٤) يحيى بن آدم: كتاب الخراج صـ ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>