للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غمض عليهم من معاني القرآن، أو مما يكون دعاء يجري مجرى أدعية القرآن في أنه يصح الإتيان به في الصلاة عند القنوت أو نحو ذلك، وهم يعلمون أن ذلك كله ليس بقرآن ولكن ندرة أدوات الكتابة وكونهم يكتبون القرآن لأنفسهم وحدهم دون غيرهم هون عليهم ذلك؛ لأنهم أمنوا على أنفسهم اللبس واشتباه القرآن بغيره؛ فظن بعض قصار النظر أن كل ما كتبوه فيها إنما كتبوه على أنه قرآن مع أن الحقيقة ليست كذلك؛ إنما هي ما علمت. أضف إلى ذلك أن النبي أتى عليه حين من الدهر نهى عن كتابة غير القرآن؛ إذ يقول فيما يرويه مسلم: لا تكتبوا عني ومن كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحه. وذلك كله مخافة اللبس والخلط والاشتباه في القرآن الكريم (١).

الوجه الثامن: نقل عن أبي بن كعب قراءته التي رواها نافع وابن كثير وأبو عمرو، وغيرهم، وليس فيها سورتا الحفد والخلع، فلو سلَّمنا أن أُبَيًّا كان يعتقد أن القنوت من القرآن، فقد ثبت أنه رجع إلى حرف الجماعة، واتفق معهم، والدليل على ذلك قراءته التي رواها نافع وابن كثير وأبو عمرو، وغيرهم، وليس فيها سورتا الحفد والخلع - كما هو معلوم، كما أن مصحفه كان موافقًا لمصحف الجماعة. قال أبو الحسن الأشعري: قد رأيت أنا مصحف أنسٍ بالبصرة، عند قومٍ من ولدِه، فوجدتُه مساويًا لمصحف الجماعة، وكان ولد أنسٍ يروي أنه خطُّ أنسٍ وإملاء أُبَيٍّ (٢).

الوجه التاسع: قصور نظمه عن القرآن.

يعلم أهل البلاغة والفصاحة، قصور نظمه عن القرآن فلعل أُبَيًّا - رضي الله عنه - إن كان قال ذلك أو كتبه في مصحفه أو رقاع كان يكتب فيها القرآن؛ إنما قاله وفعله سهوا، ثم أثبته واستدرك (٣).

الوجه العاشر: بالنظر في الروايات الواردة عن الصحابة والتابعين نرى أن بينها اختلافًا في بعض الألفاظ (٤)، كما هو شأن رواة الأحاديث والآثار في استجازة الرواية بالمعنى، ولو كان


(١) مناهل العرفان في علوم القرآن ١/ ١٨٨.
(٢) انظر جمع القرآن شرعي أبو زيد (١٨٥).
(٣) تحفة الوفد بما ورد في سورتي الخلع والحفد ص ٣٠، وانظر: الانتصار للباقلاني ١/ ٢٧٣.
(٤) راجع على سبيل المثال كلام الحافظ ابن حجر على تخريج أثر عمر من طريق عبيد بن عمير. تلخيص الحبير ٢/ ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>