للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ثم أراهم ذلك عمليًا أن رفع آدم عليهم بعلم علمه له وحجبه عنهم، فالذي جعلهم يظنون أنهم أحق من الخليفة بالخلافة هو امتلاكهم لصفاتٍ اللهُ حباهم بها، وهو الذي يملك رفعهم على أحد أو رفع أحد عليهم؛ لذلك لما تلقنوا الدرس زادوا إقرارا وتنزيهًا لله بقولهم: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.

[الوجه الثاني: السجود بين شرعنا وشع من سبقنا.]

كان السجود فيما سبق من الشرائع يُقصد به أمران:

١) العبودية: وهذه لا تكون إلا لله جل وعلا.

٢) الاحترام والتقدير والتعظيم: وهذه تجوز في حق البشر.

فنسخ جواز كونها للاحترام والتقدير والتعظيم للبشر في شرعتنا؛ لأنها الشرعة الخاتمة، وتستلزم من سد الذرائع ما لا تستلزمه الشرائع السابقة، وبقيت العبودية هي المقصود الوحيد للسجود.

وهذا يتضح من حديث عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: قدم معاذ اليمن، أو قال: الشام، فرأى النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها فرأى (أي فكر) في نفسه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن يُعظم، فلما قدم قال يا رسول الله: رأيت النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها فرأيت في نفسي أنك أحق أن تعظم. فقال: لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدي المرأة حق الله - عز وجل - عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها كله حتى لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لأعطته إياها) وفي حديث قيس بن سعد نهاهم عن السجود لغير الله وقال: (لا تفعلوا). (١)

[الوجه الثالث: حكمة بالغة.]

ما أعظمَ حكمةَ الله! إذ أمر الملائكة الكرام بالسجود تكريما لآدم - عليه السلام -؛ لعلم الله سبحانه أن أمره هذا سيترتب عليه من المصالح ما فيه نفع لبني آدم أجمع إلى قيام الساعة نذكر منها:


(١) رواه أحمد في مسنده (١٩٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>