وقال: فقد تحدّاهم الله على أن يأتوا بمثله، وأمهلهم طول السنين فلم يقدروا: كما قال تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤)}، ثم تحدّاهم بعشر سور منه في قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ. . .} ثم تحدّاهم بسورة في قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨)} [يونس: ٣٨]، ثم كرّر في قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣)} [البقرة: ٢٣] فلما عجزوا عن معارضته، والإتيان بسورة تشبهه، على كثرة الخطباء فيهم، والبلغاء نادى عليهم بإظهار العجز، وإعجاز القرآن فقال:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: ٨٨].
[الدليل من السنة]
١ - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيّ، إِلَّا أُعْطِىَ مَا مِثْلُهُ، آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّما كَانَ الّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ الله إِلَىَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (١)
٢ - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فقال: أي عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالًا، قال: لم؟ قال: يعطونَكه فإنك أتيت محمدًا تتعرض لما قبله؛ قال: قد علمت قريشٌ أني أكثرها مالًا، قال: فقل فيه قولًا يعلم قومك أنك منكر لما قال، وأنك كاره له؛ قال: فما أقول فيه، فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار منّي، ولا أعلم برجزه منّي، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجنّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، ووالله إن لقوله لحلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه