عودي. . .)، وها هم أولاء زعماء الشرك قد مشوا إلى أبي طالب فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ إنَّ ابْنَ أَخِيك قَدْ سَبَّ آلِهَتَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَسَفّهَ أَحْلَامَنَا، وَضَلَّلَ آبَاءَنَا؛ فَإِمّا أَنْ تَكُفّهُ عَنَّا، وَإِمّا أَن تُخلِّي بَيْنَنَا وَبَيْنَه، وإذ لم يكف عن دعوته، عادوا إلى أبي طالب يتذمرون ثانية حتى قالوا: وَإِنّا وَالله لَا نَصْبِرُ عَلَى هَذَا مِنْ شَتْمِ آبَاءَنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا، وَعَيْبِ آلِهَتَنَا، حَتّى تَكُفّهُ عَنّا، أَوْ نُنَازِلَهُ وَإِيّاكَ فِي ذَلِكَ حَتّى يَهْلِكَ أحد الفريقين.
فالوحي يُلْقِي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عقيدة متميزة ليناهض بها العقيدة الشعبية السائدة الراسخة، ويغير القيم والمفاهيم، ويقلب الأوضاع، وهذا أمر لا تستحسنه الذات الإنسانية، ولا تسعى إليه إن تعلقت بزعامة، أو حرصت على جاه.
وحمي الوحي وتتابع نزوله بالقرآن، فتزاحمت في وعي الرسول الأمين حقائق إلهية، ودينية، وتاريخية، وكونية، واجتماعية، لم يخط منها قبل شيء في لوحة إدراكه وذاكرته، فكانت خارجة عن إطار ذاته، بل عن معلومات عصره أيضًا، وقد اشتمل القرآن على عقيدة الوحدانية الصحيحة ودلائلها، وعلى أركان العقيدة الإسلامية العظيمة، ثم على أحكام الشريعة الغراء، وعلى حقائق من التاريخ ممحصة، تصحح ما ورد في الكتب السماوية الأخرى من زيف وتشويه، وعلى أخبار غيبية مستقبلة صدقتها وقائع الدهر، وعلى وعود أنجزها الله لعباده المسلمين. . . وغير ذلك من أوجه إعجاز القرآن الكريم، وكل ذلك أفكار منتظمة في أسلوب منطقي يسهل استيعابه، وإنّ دراسة هذه الأفكار وصلة بعضها ببعضٍ، ما تقدم في النزول منها وما تأخر؛ لتبرهن على خروجها عن نطاق فعالية الذات المحمدية وعبقريتها، وإن هذه المعلومات والأفكار والأحكام خارجة أيضًا عن حدود الفكر الإنساني عامة في العصر المحمدي؛ بل يستحيل أن ينشئها أي فكر إنساني على كر الدهور ومر العصور، ويكشف ذلك بدون أدنى ريب عن صدورها عن قدرة إلهية خلاقة منظمة.
الوجه الخامس: المراد بالثقل في قوله تعالى {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)}
قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} وهو القرآن، وفي معنى ثِقَله ستة أقوال: