للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: رد الشبهات التي أثيرت في حق معاوية -رضي الله عنه-.]

[الشبهة الأولى: حول الأحاديث الواردة في ذم ولعن معاوية -رضي الله عنه-.]

حيث وجدوا فيها تعارضًا مع ما ذكرناه سابقًا من فضلٍ له، ومع ما تقرر من عدالة الصحابة -رضي الله عنهم- حيث قالوا: كيف يكون ملعونًا مذمومًا بهذا الشكل، ويُنصَّب ملكًا عليهم؟ إنَّ في هذا دليلًا على تضييع الصحابة لهذا الجزء من الدين، وإذا ضيَّعوا هذا فلا يبعُد أن يكونو كتموا غيره، وفرَّطوا فيه.

والجواب إجمالًا: أن هذه الرويات موضوعةٌ لا يصح منها شيء، وبهذا جزم جماعةٌ من الحافظ، منهم: ابن القيم حيث قال: كل حديث في ذم معاوية فهو كذب. (١)

وأما تفصيلًا فسرد هذه الروايات يطول، ونحن نذكر منها ما اشتهر عند الطاعنين عليه -رضي الله عنه- منبهين بذلك على أن هذا باب لم يتكلم فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- بشيءِ أصلًا بعد أن ذكرنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صح عنه عكس ذلك من الثناء على معاوية -رضي الله عنه-.

الحديث الأول: "إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه".

حيث قالوا: ما دام النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال ذلك القول في معاوية فلماذا صعد على المنبر؟ ولماذا استعمله عمر واستخلف بعد علي ووافق الصحابة على ذلك؟ أليس في هذا دليلٌ على أن الصحابة لم يلتزموا بكلام النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم إن فيه ما يكفي من التجريح لمعاوية -رضي الله عنه-.

والجواب عن هذا كله أن الحديث مصنوع موضوعٌ بكل طرقه كما هو مبين في الحاشية (٢)


(١) النار المنيف (١١٧).
(٢) موضوع. له طرق كلها باطلة. وهو يُروَى من حديث ابن مسعود، وأبى سعيد، والحسن مرسلًا.
فأما حديث ابن مسعود. فأخرجه ابن حبان في المجروحين (٢/ ١٧٢)، وابن عدي ٢/ ٢٠٩، وابن عساكر ٥٩/ ١٥٦، وابن الجوزي في الموضوعات (٩٤٣). عن عباد بن يعقوب الرواجني، عن الحكم بن ظهير، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيتم معاوية يخطب على منبرى هذا فاقتلوه". وهذا إسناد فيه رجلان متهمان بوضعه الأول: عباد بن يعقوب. قال ابن الجوزي في الموضوعات (٢/ ١٥١): كان غاليًا في التشيع روى أحاديث أنكرت عليه في فضائل أهل البيت ومثالب غيرهم.
قال ابن حبان في المجروحين (٢/ ١٧١): كان رافضيًا داعية إلى الرفض، ومع ذلك يروي المناكير عن أقوام مشاهير فاستحق الترك. اهـ وقال ابن عدي (٤/ ٣٤٨): فيه غلو فيما فيه من التشيع وروى أحاديث أنكرت عليه في فضائل أهل البيت وفي مثالب غيرهم. اهـ =

<<  <  ج: ص:  >  >>