أما قوله سبحانه وتعالى:{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}: فلم يقل أحد من الصحابة ولا التابعين ولا العلماء بالتفسير أنها النجوم وهذه الروايات عنهم، فقال ابن عباس هي الملائكة، قال عطاء: وكلت بأمور عرفهم الله العمل بها، وقال عبد الرحمن بن ساباط: يدبر أمور الدينا أربعة جبريل وهو موكل بالوحي والجنود وميكائيل وهو موكل بالقطر والنبات وملك الموت وهو موكل بقبض الأنفس وإسرافيل وهو ينزل بالأمر عليهم، وقيل جبريل للوحي وإسرافيل للصور، وقال ابن قتيبة: فالمدبرات أمرًا الملائكة تنزل بالحلال والحرام ولم يذكر المتوسعون في نقل أقوال المفسرين كابن الجوزي والماوردي وابن عطية غير الملائكة، حتى قال ابن عطية: ولا أحفظ فلانًا إنها الملائكة، هذا مع توسعه في النقل وزيادته فيه على أبي الفرج وغيره حتى أنه لينفرد بأقوال لا يحكيها غيره، فتفسير المدبرات بالنجوم كذب على الله وعلى المفسرين.
وكذلك {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤)}، لم يقل أحد من أهل التفسير العالمين به أنها النجوم، بل قالوا: هي الملائكة التي تقسم أمر الملكوت بإذن ربها من الأرزاق والآجال والخلق في الأرحام وأمر الرياح والجبال، قال ابن عطية: لأن كل هذا إنما هو بملائكة تخدمه، فالآية تتضمن جميع الملائكة لأنهم كلهم في أمور مختلفة، قال أبو الطفيل عامر بن وائلة: كان على بن أبي طالب على المنبر فقال: لا تسألون عن آية من كتاب الله وسنة ماضية ألا قلت لكم، فقام إليه ابن الكواء فسأله عن: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (٢) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (٣) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤)} فقال الذاريات: الرياح، والحاملات: السحاب، والجاريات: السفن، والمقسمات: الملائكة، ثم قال: سل سؤال تعلُّم ولا تسأل سؤال تعنُّت، وكذلك قال أبو الفرج، ولم يذكر فيه خلافًا في المقسمات أمرًا يعنى الملائكة تقسم الأمور على ما أمر الله به فتفسير الآية بأنها النجوم تفسير المنجمين ومن سلك سبيلهم.
الشبهة الثالثة: قالوا هناك آيات دالة على أنه تعالى وضع حركات هذه الأجرام على وجه ينتفع بها في مصالح هذا العالم.