والصحابة كلهم عدول ما عدا رجالًا - وعد منهم أبا هريرة وأنس بن مالك.
والرد على ذلك من وجوه:
[الوجه الأول: حديث المصراة صحيح لا مغمز فيه.]
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ؛ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ"(١).
[الوجه الثاني: الحنفية لا يجمعون على هذا القول في القياس.]
فإن جاء حديث من واحد من الصحابة ولم ينقل عن غيره خلاف ذلك، فعن أبي حنيفة رحمه الله ثلاث روايات:
في رواية قال: أقلد منهم من كان من القضاة المفتيين لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -"، وقد اجتمع في حقهما القضاء والفتوى، فمن كان منهما كعثمان وعليّ والعبادلة الثلاثة وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، ومن كان بمثابتهم أقلدهم، ولا أستجر خلافهم.
وفي رواية قال: أقلد جميع الصحابة إلا ثلاثة منهم أنس بن مالك، وأبو هريرة، وسمرة بن جندب - رضي الله عنهم -. أما أنس فقد بلغني أنه اختلط عقله في آخر عمره، وكان يستفتي من علقمة، وإنما لا أقلد علقمة فكيف أقلد من يستفتي علقمة، وأما أبو هريرة فإنه لم يكن من أئمة الفتوى، بل كان من الرواة فيما كان يروى لا يتأمل في المعنى، وكان لا يعرف الناسخ والمنسوخ، ولأجل ذلك حجر عليه عمر - رضي الله عنه -، عن الفتوى آخر عمره.
أما فيما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأخذ بروايتهم، لأن كل واحد موثوق به فيما يروي.
وفي رواية قال: أقلد جميع الصحابيين ولا أستجيز خلافهم، وهو الظاهر من المذهب، فقد قال في كتاب الحيض: أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام، بلغنا ذلك عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وقال في كتاب الأيمان: إذا نذر بذبح ولده يصح نذره عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، بلغنا نحو ذلك، عن ابن عباس - رضي الله عنه -، وقال: في شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن، أنه