للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإظهار خلاف الإضمار، هذا في الأمر المكشوف، فكيف تكون له خائنة في قلب في تعلق أصل تزوجه أحد؟ !

والحسد المذموم، هو تمني زوال النعمة من العبد إليك، وهي معصية عظيمة، فكيف يستجيز مسلم ظن ذلك بكبار الصحابة - رضي الله عنه -؟ ! فكيف بسيد المرسلين؟

وقال ابن دحية: وهذا مخالف للقرآن مفسد للإيمان، فقد نهى الله سيد المرسلين، فقال في كتابه المبين: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} الآية. وهذا إقدام عظيم وقلة معرفة بحق هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وكيف يقال: رآها فأعجبته؟ وهذا نفس الحسد المذموم وما أقرب قائله من نار جهنم، ألم تكن بنت عمته، ولم يزل يراها منذ ولدت إلى أن كبرت، فزوجها من زيد مولاه، فما أجسر راوي هذا الخبر على الله، وما أجرأه! وجميع النسوان لم يكنّ يحتجبن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك أزواجه، إلى أن نزلت آية الحجاب فحجبْن وجوههن عن عيون الناس أجمعين. (١)

وقال القاضي عياض: ولو كان على مما روي في حديث قتادة من وقوعها من قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما أعجبته ومحبته طلاق زيد لها؛ لكان فيه أعظم الحرج وما لا يليق به من مد عينيه لما نهي عنه من زهرة الحياة الدنيا؛ ولكان هذا نفس الحسد المذموم الذي لا يرضاه ولا يتسم به الأتقياء فكيف بسيد الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -؟ . (٢)

[الوجه الخامس: في بيان السبب الحقيقي في طلاقها من زيد - رضي الله عنه -.]

عن أنس - رضي الله عنه - قال: جاء زيد بن حارثة يشكو؛ فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اتق الله وأمسك عليك زوجك". قال أنس: لو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتمًا شيئًا لكتم هذه، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.

وعن ثابت: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ} نزلت في شأن زينب وزيد بن حارثة. (٣)


(١) نقلًا عن البدر المنير (٧/ ٤٧١) لابن الملقن.
(٢) الشفا (٢/ ١٨٩).
(٣) أخرجه البخاري (٦٩٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>