للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: جاء زيد بن حارثة يشكو أي: جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكو زوجه زينب ويستشيره في طلاقها؛ لأنها كانت تترفع عليه، وتقابله ببعض الكلام غير المناسب؛ لحدّة كانت فيها، كما روى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: في قوله تعالى: {تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} قال: أنعم الله عليه بالإسلام وأنعم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعتق {أَمْسِكْ عَلَيْكَ} قال قتادة: جاء زيدٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن زينب اشتد عليّ لسانها، وإني أريد أن أطلقها؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اتق الله وأمسك عليك زوجك"، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يحبّ أن يطلقها، وخشي مقالة الناس إن أمره بطلاقها فأنزل الله - جل جلاله -: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} قال: لما طلقها زيد {زَوَّجْنَاكَهَا}. (١)

فعلم أن السبب في طلاق زيد لزينب ومن ثم زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - منها؛ هو ما كان بين زيد وبين زينب من خلافات، وأنه لم يكن بينهما وئام يؤمل معه أن تبقى الحياة الزوجية بينهما، فطلقها بمحض اختياره، ورغبته، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهاه عن ذلك، وقد كان الله - عز وجل - قد أعلم نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن زيدًا سيطلق زينب، وأنه ستكون زوجة له، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخفي هذا ويخشى من مقولة الناس، أنه تزوج مطلقة من كان يُدعا إليه، فعاتبه ربه على ذلك. (٢)

قال ابن عاشور: والظاهر عندي: أن ذلك كان في الرؤيا كما أنه قال لعائشة: "أتاني بك الملك في المنام في سرقة من حرير يقول لي: هذه امرأتك فأكشف فإذا هي أنت فأقول: "إن يكن هذا من عند لله يمضه". (٣)

فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد: "أمسك عليك زوجك" توفية بحق النصيحة وهو أمر نصح وإشارة بخير - لا أمر تشريع - لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا المقام متصرف بحق الولاء والصحبة، لا بصفة التشريع والرسالة، وأداء هذه الأمانة لا يتأكد أنه كان يعلم أن زينب


(١) أخرجه عبد الرزاق في التفسير (٢٢٦٦) والطبراني (٢٤/ ٤١) في الكبير، وإسناده صحيح.
(٢) انظر: جامع البيان للطبري (٢٢/ ١١)، فتح الباري (٨/ ٥٢٤).
(٣) رواه البخاري (٣٦٨٢)، ومسلم (٢٤٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>