للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

همَّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا همَّ بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشرًا" (١).

وروي هذا الحديث بألفاظ مختلفة كلها تصب في هذا المعنى.

وهذان الحديثان صفعة في وجوه هؤلاء المشككين في نزاهة النبي وعصمته - صلى الله عليه وسلم - ومعناهما لا يحتاج إلى تأويل لكنني أشير إلى طرف من كلام أهل العلم في توجيه هذه الأحاديث.

قال النووي: قال القاضي عياض: إِنَّ هَذَا الْعَزْم يُكْتَب سَيِّئَة وَلَيْسَتْ السَّيِّئَة الَّتِي هَمَّ بِهَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْمَلهَا وَقَطَعَهُ عَنْهَا قَاطِعٌ غَيْر خَوْف الله تَعَالَى وَالْإِنَابَة. لَكِنَّ نَفْس الْإِصْرَار وَالْعَزْم مَعْصِيَة فَتكْتَب مَعْصِيَة فَإِذَا عَمِلَهَا كُتِبَتْ مَعْصِيَة ثَانِيَة، فَإِنْ ترَكَهَا خَشْيَة للهِ تَعَالَى كُتِبَتْ حَسَنَة كَمَا فِي الْحَدِيث: "إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ" فَصَارَ تَرْكه لَهَا لِخَوْفِ اللهَ تَعَالَى وَمُجَاهَدَته نَفْسه الْأَمَّارَة بِالسُّوءِ فِي ذَلِكَ وَعِصْيَانه هَوَاهُ حَسَنَة. فَأَمَّا الْهَمّ الَّذِي لَا يُكْتَب فَهِيَ الْخَوَاطِر الَّتِي لَا تُوَطَّن النَّفْس عَلَيْهَا، وَلَا يَصْحَبهَا عَقْد وَلَا نِيَّة وَعَزْم (٢).

وهذا هو الذي لو كانت صحت روايات هذه القصة لحملنا همّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه أي ما لم يعقد فيه عزم ولا نية وهذا هو الحاصل إذ لم يُلق النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه من فوق قمة الجبل هذا إن فرضنا أن القصة أو الرواية صحت، لكنها لم تصح أصلًا وهذا الذي بيناه في مقدمة الرد على هذه الشبهة، فهل الذي كتبت له حسنة يكون مُلاما أو يتهم في عصمته.

[الوجه الرابع: ما هي عقوبة من يحاول الانتحار أو قتل نفسه؟]

فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- لما خلق السلالة البشرية وحثهم على عمارة الأرض أرشدهم أيضًا إلى حفظ هذه السلالة وعدم التعرض لها بأي أذى لذلك نهى عن قتل النفس وإهلاكها فقال -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقال أيضًا: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} والآيات في القرآن كثيرة تدل على ضرورة الحفاظ على الذات البشرية ولذلك فإن لله تبارك وتعالى وضع عقوبات دنيوية وعقوبات أخروية من قتل نفسه أو قتل غيره فقال تعالى: {وَلَا


(١) مسلم (١٢٨).
(٢) شرح النووي على مسلم (١/ ٤٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>