للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَعَمْ {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قَالَ نَعَمْ {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٨٦)} قَالَ نَعَمْ (١).

قال القاضي عياض: وقد أنكر بعض المتأخرين النسخ، ودعواهم في إنكار أنه خبر ولا يدخل النسخ الأخبار وليس كما قال، فإنه وإن كان خبرًا فهو خبر عن تكليف ومؤاخذة بما تكن النفوس، والتعبد لما أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث بذلك، وأن يقولوا سمعنا وأطعنا، وهذه أقوال وأعمال اللسان والقلب ثم نسخ ذلك عنهم برفع الحرج والمؤاخذة، وروي عن بعض المفسرين: أن معنى النسخ هنا إزالة ما وقع في قلوبهم من الشدة والفرق من هذا الأمر، فأزيل عنهم بالآية الأخرى، واطمأنت نفوسهم، وهذا القائل يرى أنهم لم يلزموا ما لا يطيقون، لكن ما يشق عليهم من التحفظ من خواطر النفس وإخلاص الباطن فأشفقوا أن يكلفوا من ذلك ما لا يطيقون، فأزيل عنهم الإشفاق وبين أنهم لم يكلفوا إلا وسعهم، وعلى هذا لا حجة فيه لجواز تكليف ما لا يطاق إذ ليس فيه نص على تكليفه واحتج بعضهم باستعاذتهم منه بقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ولا يستعيذون إلا مما يجوز التكليف به وأجاب عن ذلك بعضهم بأن معنى ذلك ما نطيقه إلا بمشقة، وذهب بعضهم إلى أن الآية محكمة في إخفاء اليقين والشك للمؤمنين والكافرين فيغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين (٢).

ثم أورد الإمام مسلم عدة أحاديث في كتاب الإيمان تدور حول هذا المعنى منها: وما بعده حديث أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعلموا به" (٣).

والحديث الآخر الذي رواه أبو هريرة أيضًا قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: إذا


(١) مسلم (١/ ٤٢١).
(٢) شرح النووي على مسلم (١/ ٤٢٨).
(٣) مسلم (١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>