للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا؟ فكيف بما يعلم أنه دعوى؟ فكيف بما يعلم أن النية فيه لغير الله؟ فنسأل الله العافية ونعوذ به من الكبر والعجب والغرور.

وعندما ينظر المرء إلى المجتمعات المعاصرة والنظم التي اختارتها لنفسها في تولية الولايات وهي تزعم أنها في قمة الحضارة وأرقى ما وصلت إليه الإنسانية من الحرية والعدالة - يرى كيف يزكون أنفسهم بما ليس فيهم لنيل حظ من حظوظ الدنيا، ويغتابون غيرهم وينمون لإفساد صورتهم عند الناس ليصرفوهم عن اختيارهم، فتكون ما يسمونه بـ (المعارك الانتخابية)، وقد تسفك فيها الدماء، وقطعًا تنفق فيها الملايين من الأموال وتشترى الذمم والولاءات، عندما يرى المرء ذلك يعلم صدق ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أشراط الساعة: "وأن ترى الصم البكم ملوك الأرض" (١)، ويرى كيف يتسبب جهل الناس بالشرع ومخالفتهم لهديه في تضييع الأمانة، وأن يوسد الأمر إلى غير أهله فيكون ذلك سببًا في خراب الدنيا وقرب نهايتها، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذ ضيعت الأمانة فانتظر الساعة"، قيل: وكيف إضاعتها؟ قال: "إذا وُسِّدَ - أي: أسند - الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" (٢)، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

فعلى المرء المسلم أن يربأ بنفسه عن التمرغ في وحل هذه الأنظمة الجاهلية، ودنس المشاركة فيها، أو إضفاء الشرعية عليها، والله المستعان (٣).

الوجه الخامس: أن هذا خاصٌ بالأنبياء لعصمتهم.

وهذا مفصل في محله.

[الوجه السادس: لأنه كان يعيش في مجتمع لا تنطبق عليه قاعدة عدم تزكية النفس.]

وقيل: مدح يوسف - عليه السلام - نفسه لأنه لم يكن يعيش في مجتمع تنطبق عليه قاعدة عدم تزكية النفس عند الناس وطلب الإمارة على أساس هذه التزكية، كما أنه كان يرى أن


(١) أخرجه مسلم (١٠).
(٢) أخرجه البخاري (٥٩).
(٣) تأملات إيمانية في سورة يوسف (١٧٤: ١٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>