للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حفظ الغلال ونحو ذلك، فاحتاج إلى البيان، وكما قال إبراهيم - عليه السلام - لأبيه: {يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣)} [مريم: ٤٣]، وذلك لترغيب أبيه وحثه على متابعة دين الحق، وكقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلمكم بالله، وأشدكم منه خشية". (١)

وقوله: "أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر" (٢)، وذلك ليعلم الناس الاعتقاد الواجب فيه - صلى الله عليه وسلم -، وأنه أعلم الخلق بالله وأخشاهم له، وليحذرهم من الغلو المذموم في العبادة بتحريم ما أحل الله، أو إيجاب ما لم يوجبه، وكقول عائشة - رضي الله عنها -: (على الخبير سَقَطَّتَ) (٣).

وقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: (لو أعلم أحدًا مني بكتاب الله تضرب إليه أكباد الإبل لذهبت إليه) (٤)، ونحو ذلك للترغيب في طلب العلم وأخذه عنه.

وعلى أي حال، فالأصل في هذا الباب الامتناع من مدح النفس وتزكيتها، والحذر على النفس من ذلك، وهؤلاء الأفاضل منهم الأنبياء المعصومون، ومنهم الأولياء المتقون المشهود لهم بالفضل من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن يشهد للمادحِ نَفْسَهُ - منهم - مِنْ غيرهم؟ ! ومن يضمن له حسن نيته وهى تتقلب على المرء في الساعة الواحدة مرات؟ والسلامة لا يعدلها شيء، والفرق بين الحق والباطل في مثل هذا المقام ربما كان أدق من الشعرة وأحد من السيف، وربما تخفي حظوظ النفس على صاحبها ويوهم نفسه بأنه يعمل المباح، وحقيقة الأمر العجب المحرم والغرور المذموم، فما لأمثالنا وتزكية نفوسهم ومدحها وذكر فضائلها؟

وما أكثر من تغره نفسه في الفضائل التي هي عارية عنها! وإنما هي دعوى وتشبع بما لم يعط، فإذا كان مدح الإنسان نفسه بما يتيقن من فضائلها الأصل فيه المنع، والجواز فيه على قدر الضرورة والحاجة مع شروط سلامة النية وحسن القصد والإخلاص الذي هو أعز شيء، والشرك في هذا المقام أخفى من دبيب النمل، فكيف بما يشك فيه أهو في النفس أم


(١) أخرجه البخاري (٦١٠١)، مسلم (٦٣٥٦).
(٢) أخرجه البخاري (٤٧١٢)، مسلم (١٩٤).
(٣) أخرجه مسلم (٣٤٩).
(٤) أخرجه البخاري (٤٧١٥)، مسلم (٢٤٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>