الإضلال عقوبة منه لهم حين بين لهم فلم يقبلوا ما بينه لهم ولم يعملوا به فعاقبهم بأن أضلهم عن الهدى، وما أضل الله سبحانه أحدًا قط إلا بعد هذا البيان.
وإذا عَرفْت هذا عَرفْت سرَّ القدر، وزالت عنك شكوك كثيرة وشبهات في هذا الباب، وعلمت حكمة الله في إضلاله مَنْ يضله من عباده، والقرآن يصرح بهذا في غير موضع كقوله:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، وقوله:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ}.
فالأول كفر عناد، والثاني كفر طبع، وقوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)}، فعاقبهم على ترك الإيمان به حين تيقنوه وتحققوه بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم فلم يهتدوا له، فتأمل هذا الموضع حق التأمل فإنه موضع عظيم.
وقال تعالى:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}، فهذا هدى بعد البيان والدلالة وهو شرط لا موجب، فإنه إن لم يقترن به هدى آخر بعده لم يحصل به كمال الاهتداء وهو هدى التوفيق والإلهام. وهذا البيان نوعان: بيان بالآيات المسموعة المتلوة، وبيان بالآيات المشهودة المرئية؛ وكلاهما أدلة وآيات على توحيد الله، وأسمائه، وصفاته، وكماله، وصدق ما أخبرت به رسلُه عنه؛ ولهذا يدعو عباده بآياته المتلوة إلى التفكير في آياته المشهودة، ويحضهم على التفكر في هذه وهذه، وهذا البيان هو الذي بعثت به الرسل وجعل إليهم وإلى العلماء بعدهم، وبعد ذلك يضلُّ الله مَنْ يشاء؛ قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤)}، فالرسل تبين والله هو الذي يضل مَنْ يشاء ويهدي من يشاء بعزته وحكمته.
[البيان الخاص]
وهو البيان المستلزم للهداية الخاصة؛ وهو بيان تقارنه العناية والتوفيق والاجتباء وقطع أسباب الخذلان وموادها عن القلب، فلا تتخلف عنه الهداية البتة؛ قال تعالى في هذه