وهذا الإسماع أخص من إسماع الحجة والتبليغ؛ فإن ذلك حاصل لهم وبه قامت الحجة عليهم، لكن ذاك إسماع الآذان وهذا إسماع القلوب، فإن الكلام له لفظ ومعنى، وله نسبة إلى الآذان والقلب وتعلق بهما؛ فسماع لفظه حظ الأذن وسماع حقيقة معناه ومقصوده حظ القلب، فإنه سبحانه نفى عن الكفار سماع المقصود والمراد الذي هو حظ القلب، وأثبت لهم سماع الألفاظ الذي هو حظ الأذن؛ قال تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء: ٢، ٣]، وهذا السماع لا يفيد السامع إلا قيام الحجة عليه أو تمكنه منها، وأما مقصود السماع وثمرته والمطلوب منه فلا يحصل مع لهو القلب وغفلته وإعراضه؛ بل يخرج السامع قائلًا للحاضر معه:{مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}[محمد: ١٦]، والفرق بين هذه المرتبة ومرتبة الإفهام أن هذه المرتبة إنما تحصل بواسطة الأذن؛ ومرتبة الإفهام أعم فهي أخص من مرتبة الفهم من هذا الوجه؛ ومرتبة الفهم أخص من وجه آخر وهي أنها تتعلق بالمعنى المراد ولوازمه ومتعلقاته وإشاراته، ومرتبة السماع مدارها على إيصال المقصود بالخطاب، ويترتب على هذا السماع سماع القبول فهو إذن ثلاث مراتب: سماع الأذن، وسماع القلب، وسماع القبول والإجابة (١).