للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ففي قول الله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} مع إعلامه عباده أن نعمه لا تحصى، ومع ما وصفنا من معقول في كلام العرب أن اثنين يؤديان عن الجميع، ما ينبئ عن خطأ قول من قال: معنى اليد في هذا الموضع النعمة، وصحة قول من قال: إن يد الله هي له صفة.

قالوا: وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله، وقال به العلماء وأهل التأويل. (١)

[الوجه الثالث: ذكر الفهم الصحيح لبعض الآيات التي استدلوا بها.]

من هذه الآيات:

١ - قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧)} (البقرة: ٩٧). وقوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} (آل عمران: ٣).

وهاتان الآياتان لا علاقة لهما بصفة اليد، وإنما معنى قوله: (بين يديه): أي من قبل نزول هذا الكتاب.

قال الشنقيطي في أضواء البيان (٧/ ٢٨٨، ٢٨٩): (واعلم أن لفظ اليدين قد يستعمل في اللغة العربية استعمالا خاصا، بلفظ خاصٍّ لا تقصد به في ذلك النعمة ولا الجارحة ولا القدرة، وإنما يراد به معنى أمام.

واللفظ المختص بهذا المعنى هو لفظة اليدين التي أضيفت إليها لفظة "بين" خاصة، أعني لفظة "بين يديه"؛ فإن المراد بهذه اللفظة أمامه. وهو استعمال عربي معروف مشهور في لغة العرب لا يقصد فيه معنى الجارحة ولا النعمة ولا القدرة، ولا أي صفة كائنة ما كانت.

وإنما يراد به أمام فقط كقوله تعالى: {وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} (سبأ: ٣١)، أي ولا بالذي كان أمامه سابقا عليه من الكتب.


(١) تفسير الطبري (٦/ ٣٠١، ٣٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>