إن مخالفة إعراب (الصابئون) عما قبلها وما بعدها فيه لمحة بلاغية رائعة تشير إلى وجود فرق كبير بين هذه الطوائف الأربع:
- الذين آمنوا، الذين هادوا، النصارى، الصابئون.
فالطوائف الثلاث الأولى يربط بينها رابط قوى هو أن كل طائفة منها لها كتاب ورسول من عند اللَّه -عز وجل-.
أما الصابئون فليس لهم كتاب ولا رسول، والمقام الذي تتحدث عنه الآية هو فتح باب القبول عند اللَّه لِكُلِّ مَن آمَنَ إيمانًا صحيحًا صادقًا وداوم على عمل الصالحات، فالإيمان يمحو ما قبله ولا ينظر اللَّه إلى ماضيهم الذي كانوا عليه من كفر ومعاصٍ، والآية بدأت بالذين آمنوا ليستمروا على إيمانهم الذي هم فيه، ويلتزموا بعمل الصالحات واللَّه سيجزيهم خير الجزاء على إيمانهم المستمر، وصلاحهم الدائم، ثم ثنت بالذين هادوا، يعنى: اليهود، وهم كانوا في عصر نزول القرآن قد غالوا في دينهم، وحادوا عن الحق، وغيَّروا وبدَّلوا فيما أنزله اللَّه على أنبيائهم فوعدهم اللَّه إذا آمنوا إيمانًا صحيحًا صادقًا، وتابوا إلى اللَّه من كل ما ابتدعوه في عقائدهم واتبعوا ما أنزل اللَّه على خاتم رسله؛ بأنهم سيكونون في أمنٍ من عذاب اللَّه، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وكذلك النصارى حيث جعلوا للَّه صاحبة وولدًا وغالوا كثيرًا في دينهم؛ إذا آمنوا إيمانًا صحيحًا صادقًا، وبرئوا من عقائدهم التي ابتدعوها، وأصلحوا شأنهم، وآمنوا بما أنزله اللَّه على خاتم رسله، ولزموا العمل الصالح -كان سعيهم عند اللَّه مشكورًا، ووقاهم اللَّه -عز وجل- من الخوف والحزن يوم يقوم الناس لرب العالمين.
ثم زاد اللَّه في ترغيب هذه الفرق الثلاث فيما عنده بأن يجعل هذا الفضل للصابئين الذين خرجوا عن جميع الرسالات السماوية، وإذا كان اللَّه يقبل منهم إيمانهم إذا آمنوا ويثيبهم على عمل الصالحات، فان الذين آمنوا واليهود والنصارى أولى بالقبول عند اللَّه، إذا آمنوا وعملوا الصالحات، ومن أجل هذا خولف إعراب:(الصابئون) ليلفت الأذهان