للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الرابع: أن الأنبياء قدوة لنا.]

قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦)} [الممتحنة: ٦] وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١)} [الأحزاب: ٢١]، فلما يرى ويعلم المبتلى ما وقع بالأنبياء من بلاء تهون عليه مصيبته، ويهون عليه بلاءه بإذن الله تعالى، ومن أمثلة ذلك:

عَنْ عَبْدِ الله بن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قَالَ: "أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجلَانِ مِنْكُمْ، قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ، قَالَ: أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كَفَّرَ الله بِهَا سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا". (١)

وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (٢).

وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: "الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فيبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِيْنهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِيْنهِ رِقَّةٌ ابْتُليَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَما يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئةٌ". (٣)

قال النووي: قَالَ الْعُلَمَاء: وَالحكْمَة فِي كَوْن الْأَنْبِيَاء أَشَدَّ بَلَاء ثُمَّ الْأَمْثَل فَالْأَمْثَل أَنَّهُمْ مَخْصُوصُونَ بِكَمَالِ الصَّبْر، وَصِحَّة الِاحْتِسَاب، وَمَعْرِفَة أَنَّ ذَلِكَ نِعْمَة مِنْ الله تَعَالَى لِيَتِمّ لَهُمْ الْخَيْر، وَيُضَاعَف لَهُمْ الْأَجْر، وَيَظْهَر صَبْرهمْ وَرِضَاهُمْ. (٤)

وقال تعالى عن أيوب عليه السلام: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: ٨٣]، وقال سبحانه: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: ٤١].


(١) البخاري (٥٦٤٨)، مسلم (٢٥٧١).
(٢) مسلم (٢٥٧٠).
(٣) مر قريبًا.
(٤) شرح النووي (٨/ ٣٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>