للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} دليل على صحة الشفاعة للمذنبين، وذلك أن قومًا من أهل التوحيد عذبوا بذنوبهم ثم شفع فيهم فرحمهم الله بتوحيدهم والشفاعة؛ فأخرجوا من النار وليس لكفار شفيع يشفع فيهم (١).

فهذا أمر الشفاعة قد ثبت بما تدَّعون أنه نفاها، أو تعارضت آياته في أمرها، والحق الواضح لمن له عقل أنه لا تعارض البتة في كتاب الله - عز وجل -.

[الوجه الثالث: الآيات التي ظاهرها نفي الشفاعة، وتوجيهاتها.]

كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: ٤٨]، وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: ١٢٣] خرج مخرجًا عامًّا في التلاوة.

فإن المراد بها خاص في التأويل لتظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" (٢)، وأنه قال: "ليس من نبي إلا وقد أعطى دعوة، وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئًا". (٣)

فقد تبين بذلك أن الله - عز وجل - ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين بشفاعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لهم عن كثير من عقوبة إجرامهم بينه وبينهم، وأن قوله تعالى: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} إنما لمن مات على كفره غير تائب إلى الله - عز وجل - (٤).

فهذا لفظ عام لمعنى خاص، والمراد الذين قالوا من بني إسرائيل نحن أبناء الله وأبناء أنبيائه وإنهم يشفعون لنا عند الله فرد عليهم ذلك وأويسوا منه لكفرهم (٥).


(١) القرطبي (١٩/ ٨٦).
(٢) أخرجه أحمد (٣/ ٢١٣)، والترمذي (٢٤٣٥)، وقال الألباني في ظلال الجنة (٢/ ٤٠٠): إسناده جيد.
(٣) البخاري (٧٤٧٤)، مسلم (١٩٨).
(٤) تفسير الطبري (١/ ٢٦٨).
(٥) البحر المحيط (١/ ٣٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>