للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتأويل الآية إذًا: واتقوا يومًا لا تقضي نفس عن نفس حقًّا لزمها لله - جل ثناؤه - ولا لغيره، ولا يقبل الله منها شفاعة شافع فيترك ما لزمها من حق.

وقيل: إن الله - عز وجل - خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها؛ لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل وكانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه، وسيتشفع لنا عنده آباؤنا، فأخبرهم الله - عز وجل - أن نفسًا لا تجزي عن نفسًا شيئًا في القيامة، ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها حتى يستوفي لكل ذي حق منها حقه (١).

وعلى هذا تكون النفس الأولى مؤمنة والثانية كافرة، والكافر لا تنفعه شفاعة لقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فقوله تعالى: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} يعني من الكافرين كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)} وكما قال عن أهل النار: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١)}. (٢)

إن المكذب بالشفاعة أخطأ في تأويله خطأ فاحشًا خرج به عن الكتاب والسنة، وذلك أنه عمد إلى آيات من القرآن نزلت في أهل الكفر أخبر الله - عز وجل - أنهم إذا دخلوا النار أنهم غير خارجين منها فجعلها المكذب بالشفاعة في الموحدين، ولم يلتفت إلى أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إثبات الشفاعة أنها إنما هي لأهل الكبائر، والقرآن يدل على هذا، فخرج بقوله السوء عن جملة ما عليه أهل الإيمان واتبع غير سبيلهم قال الله - عز وجل - {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ١١٥].

فاعلموا يا معشر المسلمين أن أهل الكفر لما دخلوا النار، ورأوا العذاب الأليم، وأصابهم الهوان الشديد، نظروا إلى قوم من الموحدين معهم في النار فعيروهم بذلك وقالوا: ما أغنى عنكم إسلامكم في الدنيا وأنتم معنا في النار! فزاد أهل التوحيد من المسلمين حزنًا وغمًا، فاطلع الله - عز وجل - على ما نالهم من الغم بتعيير أهل الكفر لهم؛ فأذن الله في الشفاعة، فيشفع الأنبياء


(١) تفسير الطبري (١/ ٢٦٧).
(٢) تفسير ابن كثير (١/ ٣٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>