للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه السابع: أن جمع القرآن زمن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وعثمان بن عفان - رضي الله عنه - قد كان له ما يدعو إليه.

الوجه الثامن: مواد الكتابة في ذلك العهد لم تكن متوفرة، والموجود منها عَسِر الاستعمال.

وإليك التفصيل

[الوجه الأول: العمدة على الحفظ الصدري.]

بَادِئ ذِي بَدْءٍ لا بُدَّ أنْ نَعْلَمَ أنَّ القرآنَ كُلَّهُ كان مجموعًا في صدر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويدل على ذلك ما رواه الإمام مسلم عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى فقلت: يركع بها ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلًا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلا قريبا مما ركع، ثم سجد، فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبا من قيامه (١).

فهذا هو شأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحفظ القرآن كله ويعلمه أصحابه؛ بل وكان هناك الحفاظ من الصحابة الكثير، وكان حفظهم متقنًا عن ظهر قلب، وعقد البخاري لذلك كتابا فقال: (باب القراءة عن ظهر القلب) (٢)، ثم أخرج حديث المرأة الواهبة نفسَهَا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه فقام رجل من أصحابه، فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال: هل عندك من شيء؟ . فقال: لا والله يا رسول الله، قال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا؟ . فذهب، ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا. قال: انظر ولو خاتمًا من حديد. فذهب، ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتمًا من حديد ولكن هذا إزاري - قال سهل ما له رداء - فلها نصفُه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما تصنع بإزارك، إن لبسَته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسْته لم يكن عليك شيء؟ ! . فجلس الرجل حتى طال مجلسه، ثم قام، فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موليًا، فأمر به فدعي فلما جاء قال:


(١) مسلم (٧٧٢).
(٢) انظر فتح الباري ٨/ ٦٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>