للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك، وإلا فقد كان يأكل من جهات أخرى غير الرمح، كالهدية والهبة وغيرهما، وحكمة ذلك أنه قدوة للخاص والعام؛ فجعل بعض رزقه من جهة الاكتساب وتعاطي الأسباب، وبعضه من غيرها قدوة للخواص من المتوكلين؛ وإنما قال تحت ظل رمحي ولم يقل في سنان رمحي ولا في غيره من السلاح؛ لأن رايات العرب كانت في أطراف الرماح، (وجعل الذل) أي الهوان والخسران (والصغار) بالفتح أي الضيم (١).

قال ابن رجب الحنبلي: فالله - عز وجل - بعثه داعيًا إلى توحيده بالسيف بعد دعائه بالحجة، فمن لم يستجب إلى التوحيد بالقرآن والحجة والبيان دعي بالسيف، قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحديد: ٢٥).

وفي الكتب السالفة وُصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه يبعث بقضيب الأدب، وهو السيف. ووصى بعض أحبار اليهود عند موته باتباعه وقال: إنه يسفك الدماء، ويسبي الذراري والنساء، فلا يمنعهم ذلك منه. وروي أن المسيح - عليه السلام - قال لبني إسرائيل في وصف النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنه يسل السيف فيدخلون في دينه طوعًا وكرهًا، فقول المسيح - عليه السلام - ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - منقبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن الوصف هنا في مقام الوصية لا يكون إلا بالخير، وبما هو من الفضائل، والله أعلم (٢).

[الوجه الثالث: الأمر بالقتال في الكتاب والسنة، والهدف منه.]

إن الله - عز وجل - هو الذي أمر بالقتال وأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - به، الغرض منه توحيد الله وإعلاء كلمته سبحانه وتعالى، وأن ما يحصلون عليه من غنائم الحرب ليست هي المقصودة من الجهاد، وإنما تأتي تبعًا للهدف الأسمى، وهو الدعوة إلى الله، وفيه أن المسلمون لا يلجأون إلى السيف إلا بعد رفض الإسلام، ثم رفض الجزية.


(١) فيض القدير (٣/ ٢٦٦).
(٢) الحكم الجديرة بالإذاعة (١/ ١).

<<  <  ج: ص:  >  >>