للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه أن الله - عز وجل - كفل لنبيه قوته من هذا الطريق حتى لا يشغله عن الدعوة إليه بالسعي في طلب القوت، فأحل له الغنائم ولم تحل لنبي قبله، وفيه أن الجهاد لم يكن المصدر الوحيد للرزق، وإنما يقبل الهدية والهبة.

قال الله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} (التوبة: ٥) وقال: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (محمد: ٤).

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله" (١).

فالغرض من القتال؛ أن يدخل الناس في دين الله - عز وجل -، وقبل القتال يعرض عليهم الإسلام، فإن أبوا فلا إكراه في الدين، ولكن عليهم الجزية، لأن القوة والمنعة للإسلام، وجزاءً لحماية المسلمين إياهم، فإن أبوا فالقتال؛ حتى لا يكون لأحد على الإسلام والمسلمين شوكة ومنعة، وإنما يفرض عليهم الذل والصغار إلى أن يسلموا.

وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة لما صار له دار وأتباع وقوة ومنعة، وقد كان يتهدد أعداءه بالسيف قبل الهجرة، وكان - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت وأشراف قريش قد اجتمعوا بالحجر وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الرَّجلِ قَطُّ؛ سَفَّهَ أَحْلَامَنَا وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، فلما مَرَّ بِهِمْ النبي - صلى الله عليه وسلم - غَمَزُوهُ بِبَعْضِ مَا يَقُولُ، قَالَ: فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَقَالَ: "تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ، فَأَخَذَتْ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ؛ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا كَأَنَّمَا عَلَى


(١) البخاري (٢٥)، مسلم (٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>